أرخص ثلاث سلع في الأردن

في عالمنا الشرقي المستهلك يعتبر الفضاء مفتوحا على مصاريعه كلها امام الاغنياء والفقراء على السواء لمشاهدة كل ما يبث ويذاع في محطات التلفزة او ما تعرف بالفضائيات ,فهذه السلعة بالذات متاحة باسعار زهيدة وتعتبر الآن من ابخس السلع في الاردن كما في بقية البلدان العربية, فحتى ابسط انواع المستقبلات والتي يقل سعرها عن عشرة دنانير كفيلة باستقبال أكثر من الف قناة تلفزيونية تبث شتى البرامج والمواضيع ولكن بزيادة واضحة للمضامين التافهة عديمة الفائدة بل كثيرة الضرر ,ومن بين المحطات الألف خمسة او عشرة بالحد الاعلى فقط يمكن مشاهدتها بدون الشعور بالذنب واحيانا بالاحباط وربما القرف,هذا ناهيك عن تجارة فك التشفير الرائجة عينك عينك .

في الاردن تعتبر سلعة التفرج او ما تعرف بانظمة الستالايت محصنة ضد ارتفاع الاسعار تضاف اليها سلعتان اخريان هما الانترنت والاتصالات الخلوية ,فما هو سر هذه السلع الثلاث كي تبقى حصينة على الضرائب وجشع الموردين والمستوردين ,هل الهدف من تخفيض اسعار انظمة الستالايت ولواقطه ومستقبلاته والاتصالات الخلوية وهواتفها البسيطة والمعقدة ,ثم الانترنت وعروضه واجهزة استقباله ,هو تشجيع الشباب الاردني الصاعد على التعلم والاطلاع بهدف المعرفة ,ولو كان هذا صحيحا لكنا الآن عباقرة ومخترعين لعلوم التكنولوجيا التي نشتريها ولا نعرف منها الا ربعها ,ام اننا نمر بزمن جميل من الترف في الحريات لدرجة اتاحة الفرصة لجميع الاجيال كي تشاهد المسموح والممنوع بلا رقيب ولا حسيب ,ام ان الانشغال بالسياسة ابعدنا عن بقية الهموم واصابنا بالعمى فلم نعد نرى ابعد من شاشات العرض امام اعيننا ..!

ما الذي يشاهده شبابنا هذه الايام من منتجات الفضائيات ,واي محتوى يقدمه الانترنت للجيل الصاعد ,وكم يقضي الاردني واضعا هاتفه الخلوي على اذنيه ويتحدث في اسخف الامور مع طرف آخر ,وفي كثير من العروض مجانا او مقابل عرض شهري تقل قيمته عن ثمن كيلو لحمه ,ويا لها من مقارنة ..!
مرة تحدث الرئيس بوش الابن عن اعتزازه بما حققت بلاده للعراقيين من حريات بعد اسقاط نظام صدام حسين ,ومن الامثلة التي ضربها على هذه الحريات كثرة المحطات الفضائية العراقية, واليوم نشهد ذات الانجازات في ليبيا المحررة فبدلا من الحكم الاستبدادي للقذافي تحكم ليبيا اليوم عشرات الفضائيات التي تتبارز في تقديم الفرجة لليبيين الشغوفين بالحرية ,لكن ما يهمنا في هذه اللحظة من تاريخ نهضة الشعوب ما يجري في بلدنا المنفتح اصلا والذي لا يعاني من اي قمع على صعيد اطلاق الفضائيات والاذاعات والصحف الالكترونية بدون تدقيق ,هذا البلد الذي فتح المجال لاربع شركات اتصال تتنافس على تقديم خدمة التهاتف والانترنت بين ستة ملايين اردني بينما دول كبرى يزيد عدد سكانها عن خمسين مليون نسمة او اضعاف هذا الرقم ليس فيها سوى شركة اتصالات واحدة او اثنتين في احسن الاحوال ,وفي هذه الدول التي يتمتع مواطنوها بحريات كاملة على صعيد التفرج والاطلاع والممارسة ايضا لا تسمح بفتح الفضاء امام الجميع بدون ثمن ,فالقنوات الفضائية تباع بالواحدة ولا وجود لمستقبل شامل بعشرين دولار ,كذلك هي حال الاتصالات الخلوية والانترنت الذي تعد الحكومات منذ سنوات بمراقبته لصالح المجتمع الاردني المحافظ وشبابه الصاعد الواعد الذي يعاني امراضا نفسية بسبب ما يشاهد ولا يمارس ,ولم يتغير شيئا مذاك فلا زالت الشركات تمنع الرقابة لانها من يقرر عندنا ,ماذا يبث في الفضاء من محتويات بالصوت والصورة وكم يتحدث الاردني بالهاتف .!