حتى لا يستولي "تجار الاصوات" على البرلمان القادم

اذا فاز الذين درجوا على شراء الاصوات في الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في نهاية هذا العام فسيكون الاردن هو الضحية الكبرى لمثل هذه الممارسة، وهم معروفون للاردنيين، ونشاطاتهم لا تخفى، وخاصة شللهم التي تقوم بالسمسرة على الاصوات واستغلال الضعفاء والمساكين والفقراء، ويعمدون الى اخضاع اصواتهم الى البيع والشراء لقاء كرتونة، او خمسين دينارا. وهم طارئون يقفزون الى واجهة العمل السياسي بدون مقومات تذكر، او مؤهلات سياسية، او تشريعية، ولا علاقة لهم بالشأن العام، وهم من اوصلوا الحياة التشريعية في الاردن الى طريق مسدود، وكانوا نقمة على هذا البلد حيث تسببوا بتراجع المشاعر الوطنية، وضعف المؤسسات، عندما قطعوا حلقة الوصل التي كانت سائدة بين الدولة الاردنية ومواطنيها.

وهم يستغلون نسبة من الاصوات القابلة للبيع والشراء في كل دائرة انتخابية، ويتمكنون بسهولة بحسب قانون الصوت الواحد من الوصول الى كراسي المجلس، وبعد ذلك يفشلون في تمثيل الاردنيين، وطرح قضاياهم في الحياة العامة مما يعمق ازمة الدولة الاردنية، ويعيق تطورها، ويزيد من حدة الاحتقان، والتوتر في الشارع.

هؤلاء مجرمون انتخابيا، ويرتكبون خطيئة بالغة في حق هذا الوطن، ولا يوجد ما يمنع من جرهم الى المحاكم، واخضاعهم للقانون، وجعلهم عبرة لمن يفكر بالتلاعب بارادة الناخب الاردني، او التأثير على خياراته من خلال المال، ولنتذكر ان الخلل الذي اصاب الحياة العامة في الاردن بدأ مع ظهور هذه الفئة التي افسدت المشاعر الوطنية، وحولت اهم حدث يكتنف الحياة السياسية الاردنية، ويعنى بفرز ممثلي الشعب للمؤسسات الى مسرحية مكشوفة امام مرأى الناس حيث يصار الى الاستيلاء على مقاعد البرلمان من قبل فئة معروفة لدى الاردنيين بأنها تمارس التجارة السياسية، واغتصاب ارادة التمثيل الشعبي بلا وجه حق سوى انها تملك الاموال التي تنفقها بغير حساب في شراء اصوات فئة من الفقراء، وحشدهم في العملية الانتخابية، وهو ما يحول وجهة الدولة الاردنية الى الوراء حتما.

ونحن يكفينا ما اصابنا جراء وجود هذه الظاهرة وامكانية تجذرها في وجه ممارستنا الديمقراطية، وقد شوهت ملامح المسيرة التشريعية، وربما يكون التحدي الاكبر في الانتخابات النيابية القادمة - التي هي مصيرية بالنسبة للاردنيين- في منع تجار الاصوات من الاستيلاء على كراسي المجلس، واعادة الفرز الى وجهته الحقيقية كي يعبر عن قناعات الاردنيين، واحلامهم السياسية، ففي اصواتهم ملامح مستقبلهم القادم، وان سرقة المقاعد من قبل تجار الاصوات سيحكم على خطواتنا القادمة بالفشل الذريع، وقد يضع الاردن في مواجهة مخاطر محتملة.

ويمكن لنا ان نرسخ تقاليدا، واعرافا جديدة في ممارستنا الديمقراطية تقوم على نبذ هذه الفئة الضالة التي تجد في استخدام المال السياسي الوسيلة المثلى في التأثير على خيارات الناخبين، واستغلال ضعف نفوس البعض منهم، حتى نصل الى الصورة الواقعية لمجتمعنا النقي الذي يرفض وينكر الاساليب غير النظيفة في العمل السياسي، وربما تكون البداية في تفعيل القانون، وتتبع تجار الاصوات، والمروجين لهم، واحالتهم الى القضاء، وهي مهمة تحتاج لرصد ومتابعة من قبل اجهزة الدولة المعنية كي تترسخ القناعات بان هذه الجرائم الانتخابية لا يمكن لها ان تمر دون عقاب. ذلك ان خطر شراء الاصوات وتسليع المواطنين يتجاوز في اثاره المدمرة على المجتمع مخاطر بيع وتجارة المخدرات، وكما تعمل الدولة على حماية مواطنيها من المخاطر التي تهدد حياتهم وحرياتهم يمكن لها ان تحمي خيارات الناخبين في الحياة العامة كي لا نضيع الوطن الذي بات يتعرض الى هزات سياسية متواصلة مع كل مجلس نيابي يفشل في اكمال مدته الدستورية وتضطر المؤسسة السياسية الى اجراء انتخابات مبكرة لتلافي الاثار الكارثية المترتبة على وجوده.