إرضاء الناس غاية لا تدرك ، خصوصا في الحالة الأردنية التي اختلط فيها حابل الحكومات ونابل المعارضات مع غوغاء الأصوات التي تنساق خلف الأفكار دون تفكير ، وما حالة قانون الإنتخاب المثير للجدل سوى أحد الأمثلة على الساحة الاردنية التي تنازعتها دعوات معارضة وشبه معارضة ومتحالفة مقابل تصريحات وإجراءات رسمية تنقصها الشروحات والدفاعات ، فقط يريدون أن تكون الأصوات بعدد مقاعد الدائرة وقائمتهم 50% من عدد المقاعد ، وهذه فانتازيا إستعراضية لتحقيق مطالب أكبر من مجرد قانون .
واللافت أن غالبية من لهم صوت هاجموا القانون دون ان يعطوا أي توضيحات دقيقة للقانون المنشود أو ما هو سبب الخشية من الإنخراط في الإنتخابات ، ومن يهاجمه ينطلق من « الإنطباع « الذي روج له من إدعوا أن الأردنيين في البادية والمحافظات لا يحق لهم أن يُمثلوا في مجلس النواب بهذه الكيفية ، وهذا كان آخر طلب في الجلسة الخاصة مع رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة ، فهل نسوا قوانين « مكافحة الإرهاب وحماية الأسرة وتعديلاته وضريبة المبيعات ومعاهدة السلام «، أذلك أخطر من قانون انتخاب يعطي الناخب صوتا واحدا ليخرج النائب بعدد أصوات حقيقي لا وهمي مضروب بإثنين أو أكثر.
جماعة الإخوان يعرفون تماماً ماذا يريدون. ولكن جماعة من الشعب لا تعرف ماذا تريد ، فهم منساقون خلف اللاءات الإخوانية كالمسحورين ، ودعم ذلك تحول عتب المهمشين الى غضب والغضب الى كراهية نتيجة سياسات وتجاوزات سابقة ، وفي لقاءه مع محطة « pbs « أعلن جلالة الملك أنه لا يمكن أن يتم تفصيل قانون على مقاس الإخوان أو حزب بعينه وهذا بعض من مخاوف الأردنيين ، فإذا أراد الإخوان التغيير فعليهم أن يأتوا البيوت من أبوابها .
المشكلة عندنا إن الدولة تفرط في سعيها لجرّ أصدقائنا جماعة الجبهة للدخول في الإنتخابات والجماعة لا تعير اهتماما لذلك فقد تجاوز زعماؤها قانون الإنتخاب ومجلس النواب أيضا ، وهم يريدون المشاركة في الحكم ، وهذا سياسيا من حقهم حتى لو لم ينالوا سوى شرف المحاولة ، ولكن أين بقية الشعب الأردني في مدنه وقراه وبواديه ، ألا يوجد في البلد سوى الحركة الإسلامية وجماعة الدولة الرسمية لتغازلونهم ؟
القانون الحالي على علاته هو من حق الأردنيين ويضمن الاستحقاق الدستوري والتمثيلي للأردنيين في الأطراف والمحافظات والبوادي والمخيمات ، أولئك الذين ليس لديهم الكثير من الوقت للمتعة والإستعراض السياسي في ظل قصور لمنظومة الخدمات في شتى المجالات وغياب قانون بلديات يحقق تدرجا وتراتبية في سلم الخدمات العامة للمواطنين ، لهذا سيبقى المواطن ينظر الى النائب على انه مفتاح حلوله وهذا حال الأردن منذ عقود خلت ، وهو حال المواطن أيضاً الذي لم يرّ حزبا واحدا يقدم له برنامجا أو حلا يختلف عن الطرح الرسمي ، فلا المعارضات ولا الحكومات استطاعت ان تضيف شيئا او تغير من الواقع الحياتي والسياسي حتى الساعة .
ان مقاطعة الانتخابات هي بحد ذاتها لعبة سياسية وامتياز من حق أي جهة ان تمارسه وانا اشتركت في المقاطعة عام ١٩٩٧، ولكن ليس من حق أحد أن يعيب على من يريد المشاركة ، أو أن يناصب العداء اللفظي والمعنوي للمواطنين الذين دأبوا على المشاركة. وغالبيتهم تاريخيا هم أبناء المحافظات والأطراف في الوقت الذي كان جل أبناء العاصمة والمدن الرئيسة يستغلون عطلة يوم الاقتراع للتنزه خارج بيوتهم .
على أحد ما أن يذكر الحكومة وحركة الإخوان إن هناك شعبا أردنيا سوادهم الأعظم يعمل ويتحرك ويشارك بصمت ، وتحمل طيلة سنين طويلة الإهمال الرسمي والنظرة الاتهامية والفوقية الماكرة لمنظري الأحزاب المستوردة ، قبل ان يتذكره الجميع فجأة ويذرف الدموع خشية على مستقبلهم ، فمستقبل الأردنيين تحت سنان رماحهم ، هكذا تعودوا منذ زمن أبيهم وجدهم ، إنهم هنا فهم من صنعوا الدولة وليسوا صنيعة لأي دولة أو تنظيم .
وحتى جلالة الملك يعرف أن هناك فئة تريد لنفسها الإستئثار بالحصة السياسية وهذا ما دعاه لكشف مخاوف الأردنيين حيث وضع الأطر الأساسية للسياسة الأردنية المتجددة بناء على رؤية أردنية خالصة ، رضي غيرنا بها أم لم يرض فذلك شأنهم ، أما الأصوات التي تهرف وهي تعرف جيدا وتتباكى على مستقبلنا السياسي دون تفسير هي أصوات ببغائية تبحث عن بقاء تحت الأضواء وتلهث خلف شهرة مزيفة ، فلتتقي الله بهذا الوطن وأهله الذين تكالب عليهم كل طامح وطامع وجاحد واعد ، فنحن نبحث عن صادق ناقد لا عن كاذب حاقد .