اخبار البلد_كتب رياض منصور _ ما الذي دفع جلالة الملك
عبدالله الثاني الى ان يقود بنفسه عملية الاصلاح في البلاد؟ ولماذا فشل بعض
رجالات الدولة ذوو الوزن الثقيل في فهم حاجة المجتمع الاردني للاصلاحات
وطبيعتها؟ والى أي مدى لعبت التجاذبات بين مراكز القوى في خلق سلبيات على
الاداء الحكومي؟ ولماذا لم تقدم الحكومات المتعاقبة مشاريع اصلاح متكاملة
وشمولية؟ وما معنى ان يتدخل الملك مباشرة ويقوم باعمال هي في الاصل من صميم
عمل الحكومات؟ وما الذي احبط الملك من بعض رجالات الوزن الثقيل في
الدولة؟.. كل هذه الاسئلة وغيرها الكثير كانت على الدوام محط تساؤلات كبيرة
اجاب عنها جلالته في المقابلة التلفزيونية مع محطة بي بي اس حيث وضع بوضوح
كامل كل النقاط على كل الحروف.
لقد اوضح جلالة الملك حيثيات ما
عانى منه من احباط من طبيعة تفكير بعض العقليات التي كان عليه التعامل معها
والتي كان المجتمع قد عانى منها اصلا، فما اصطلح في عمان على تسميته
«التجاذبات» او صراع الرؤوس بين مراكز القوى والنفوذ كانت لها تأثيرات
بالغة السلبية في عمق الحياة العامة على مدار السنوات الماضية وهذا ما اشار
اليه الملك، معبرا عن حالة الاحباط التي تسببها هذه العقليات.
العبارات
الملكية التي اطلقت في مقابلة جلالته شكلت انحيازا للشعب الذي عانى ايضا
من عقليات بعض الرؤوس الكبيرة التي اثرت سلبا وعميقا في الحياه العامة بسبب
تجاذبات وصراع العديد من «الطوابق العليا».
ومن الواضح ان
«التكلفة» التي دفعت كثمن لهذه التجاذبات اكبر من ان تحتملن لذلك كان
التدخل الملكي المباشر الذي حرك مواقع «الكفاءة الفعالة» في مفاصل القرار
وسكك الدولة المفصلية بعد ان احبط من طبيعة تفكير عقليات الوزن الثقيل
ليكون التدخل الملكي قد جاء لاستثمار المصالح العامة في تأسيس تصورات تساعد
مستقبلا في صناعة القرار وادارة معركة المصالح الحيوية للشعب الاردني.
ورغم
امكانية تعداد قائمة طويلة بالاثار والملحقات السلبية التي نتجت في الواقع
السياسي عن التجاذبات المشار اليها الا ان التدخل الملكي المباشر في انجاز
الاصلاح باسرع وقت ممكن قلب المعادلة على رؤوس الجميع وتحولت السلبيات الى
ايجابيات كانت نتيجتها اصلاحات حقيقية وعميقة وسريعة وعلى الحكومات
اللاحقة الان ان تجيد بمهارة التوظيف والاستثمار الايجابي للجهد الملكي.
سياسيون
كبار في عمان استمعوا للملك جيدا وهو يتحدث في مقابلته ويؤكدون ان اشياء
كثيرة اتضحت وان الاحباط الذي عبر عنه جلالته هو ذات الاحباط الذي اصاب
المواطنين بفعل ممارسات اصحاب الوزن الثقيل وتجاذباتهم الداخلية ويشيرون
الى ان ما قاله الملك كشف صورة الواقع الموضوعي على حقيقته وهو ما يتطلب
الوقوف بشكل مطلق الى جانب الاصلاحات التي قادها القصر الملكي لتعظيمها
وحمايتها.
ما كشف عنه الملك يؤكد لنا ان ملف الاصلاح ثبت انه يعني
شيئا في تصور القصر الملكي وشيئا آخر في تصور مراكز القوى والنفوذ المنتشرة
على الخريطة الاردنية، ابتداء ممن تحدث عنهم الملك من رجالات دولة كبار
ومرورا بالصحافة وانتهاء بقطاع المال والاعمال.
والإصلاح السياسي في
عمان كفكرة لها عشرات الخصوم والأعداء وبعضهم اشداء ومستوى الخصومة تحدده
طبيعة رد الفعل؛ فتيار لا يستهان به من بعض رجالات الدولة يشعر بان الإصلاح
يخرجه من ملعب الحكم والاضواء وهذا التيار يجد في بعض الحيثيات نصيرا
لتصوراته؛ فسياسات جلالة الملك جعلت ماكينة بعض اصحاب الوزن الثقيل بكل
اطيافها تبدو غير قادرة على التجدد.
ولذلك انقسم اصحاب العقليات
التي تحدث عنها جلالته الى فريقين: الاول استسلم تماما وخرج من الملعب
ويكتفي بالانضمام الى جمهور المشاهدين، والثاني يشاغب بين الحين والآخر على
بعض الافكار الجديدة ويحتك بجنبات الملعب ويبالغ بالظهور ويسترسل في
استعراضات هدفها للتذكير بوجوده.
وقياسا لحجم العداء الذي يكنه بعض
رجالات الوزن الثقيل للإصلاح السياسي والاجتماعي، يبدو البعض منهم معتدلا
جدا؛ فبعض رموز هذه المجموعات يعتبرون أنفسهم متمترسين بالاتجاه المضاد
للإصلاح والتغيير ويعزفون باسترسال مزعج نغمة الحسابات الإقليمية ويروجون
فكرة تقول ان كلمات الاصلاح حق يراد به باطل ويقاتلون ضد الاصلاحيين حفاظا
على الوطن الاردني ومواجهة للمشروع الصهيوني بالمنطقة او هكذا يفترضون.
وثمة طراز اخر من خصوم التغيير والإصلاح مستترون في ثنايا المشهد النخبوي ويعبثون بالمعادلة من داخلها.
وفي
الوقت نفسه، تواجه في المؤسسة الأردنية نفسها حتى الآن من يتحدث بلغة لا
تنسجم مع لغة الإصلاح الملكية بل وعلى العكس تماما يتسبب موظفون في كل
المؤسسات الفاعلة باتجاهات عكسية احيانا لنتائج اي اصلاحات ويتقصدون اظهار
السلبيات وبعض هؤلاء -للأسف- متمكنون في دوائر القرار ولديهم وجهة نظر
مختلفة لا يعبرون عنها علنا، لكنهم يحاولون احباط اللغة الاصلاحية على
الارض بقدر استطاعتهم.
وبطبيعة الحال، لا يخلو المشهد نفسه من مراكز
مصالح نفوذ مالي وسياسي ومواقع فساد لها مصلحة مباشرة في إحباط التيارات
الاصلاحية والرموز الداعية للتغيير لأن التغيير بالنسبة للمعنيين سيقود
لصحافة حرة وشفافية مالية وقضاء أكثر استقلالا وتشريعات صارمة، وهذه كلها
نتائج تهدد مصالح العشرات من نخب الاقتصاد والصالونات السياسية.
ومن
الواضحن ان العزم الملكي على احداث الاصلاح في البلاد نجح بتشكيل طبقة
متكاملة من الحكام الجدد والشبان الذين بدأوا بتسلم زمام المبادرة كما نجح
في توسيع قاعدة المشاركة الأهلية في تقييم الواقع ونجح ايضا في توفير شبكة
لجان استشارية تجاوزت احيانا الحكومات في اهميتها وغيرت الكثير من ملامح
البلاد.
الملك باختصار، يريد إخضاع جميع رموز الدولة ومؤسساتها
للمنطق الإصلاحي واقناع جميع رموز البانوراما الفاعلة بأن الإصلاح كفكرة
يستحق الايمان به والدفاع عنه، خصوصا وان بعض الذين ملأوا الدنيا ضجيجا في
الماضي وهم ينتقدون النظام بسبب غياب البرامج الإصلاحية تراجعوا للخلف
عندما أفسح لهم النظام فرصة الاشتباك مع مراكز قوى اجتماعية ودينية مضادة
لهم.
باختصار، وضع الملك الجميع امام مسؤولياته التاريخية، بعد ان تحدث عن عقليات «الطوابق العليا» من اصحاب الوزن الثقيل.
وللحديث بقية.