الأغوار الجنوبية تغرق في الفقر وتتربع على "منجم ذهب" لشركات كبرى
اخبار البلد_ يرى سكان منطقة الأغوار الجنوبية البالغ عددهم 50 ألف نسمة، أنهم "ضحية تقصير الحكومات المتعاقبة".
ويلفت أهالي اللواء إلى أنهم باتوا يحصدون ثمن نسيان الدولة لهم بتوفير مشاريع تنموية ناجحة؛ ورفع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والزراعية، وفوق كل ذلك تردي الأوضاع المعيشية التي وضعت اللواء على صفيح ساخن "لا يحمد عقباه".
ويوضح "الغوارنة" أن فشل مشاريع تنموية في منطقة الأغوار الجنوبية، عمق فجوة الفقر وانتشار البطالة في اللواء.
ونتيجة لتجاهل الحكومات في إدراج برامج للنهوض بواقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية في أراضي اللواء، فإنه ما يزال يتربع على عرش جيوب الفقر في المملكة.
ورغم وجود شركات ومصانع ومشاريع تتوسع على أراضي اللواء، ويتعاظم رأس مالها وارباحها، إلا أنها تسهم في نخر جيوب أهاليها، وضياع أغلب شبابها الذين يشكلون ما نسبته 60 % من سكان اللواء، وتدفعهم للعيش في سراديب "الانحراف وتعاطي المخدرات"، رغم تعهدات تلك الشركات بتصويب أخطاء إداراتها السابقة، التي كانت "تعتمد على العمالة الوافدة وتستبعد العمالة المحلية".
بؤرة ساخنة لتعاطي وإدمان المواد الطيارة والمخدرات
وأدت ثنائية "الفقر" و"البطالة" إلى تحويل اللواء لـ"بؤرة ساخنة"، لترويج وتعاطي المخدرات في وضح النهار، في ظل ضعف رقابة الجهات الرسمية، وفق مواطنين.
وأوضح سكان المنطقة أن الشركات الكبرى لم تكتف بالتنصل من مسؤوليتها المجتمعية، بل تلوث هواءها النقي وتنفث سموم دخانها في اجسام أبنائها "بلا رأفة ولا رحمة".
ويسرد عدد من سكان الأغوار الجنوبية، عبر لقاءات مع "الغد"، خلال جولة للمنطقة، اوجه معاناة لا تنتهي وتتشعب لتطال مختلف جوانب الحياة في اللواء، وسط إحباط شديد من إيجاد حلول ناجعة لـ "تخفيض معدلات البطالة المرتفعة بين سكانها".
هروبا من مستنقع الفقر والعوز، وجدت أعداد لا باس بها من شباب الغور ملاذا آمنا لملء فراغها عن طريق تناول المخدرات والمشروبات الكحولية، حسب قول بعضهم لـ "الغد"، غير مكترثين بالانعكاسات السلبية على صحتهم.
الشاب أشرف قضى سنوات عمره بحثاً عن عمل ينشله من مستنقع الفقر والعوز، فبعد أن وجد الطريق مسدوداً أمامه، لجأ لتعاطي مادة الحشيش، ليجعل منها هو ورفاقه السبيل الوحيد لـ"نسيان هموم الدنيا وأوجاعها".
ويقول أشرف، وفي عينيه بصيص أمل "أنا كلي يقين انه في حال تم تأمين عمل لي، حتى لو براتب زهيد، سأترك تعاطي الحشيش الى الأبد، وعند النظر في المرآة اجد نفسي شخصا محترما، لكن نظرة المجتمع بأني شاب متعطل عن العمل تكاد لا تفارقني".
اما علي، الشاب الثلاثيني فقد اعتاد تناول الحبوب المخدرة، "جراء مرضي المزمن"، وهو مرض يلازمه منذ نعومة أظفاره، ليجد فيها الراحة اليومية. يقول لـ"الغد"، "أنا المعيل الوحيد لوالدتي وأختي، جربت مادة الحشيش اكثر من مرة، اذ أشعر بتناولها بالراحة والابتعاد عن المشاجرات"، معربا عن تخوفاته بان "تتطور حالة ادمانه المرخصة طبيا".
وفي مهن غير منظمة، يعمل الشاب علي بشكل متقطع، حسب ما تسمح له حالته الصحية، إلا انه يأمل بـ "أن يعمل في عمان، لتوفر فرص العمل هناك"، ولإمكانية تحقيق احلامه بتوفير "دخل جيد" حسب قوله.
وتجرع الشاب علي الشهر الماضي مرارة مصرع شقيقه الاصغر في غور الصافي بلواء الأغوار الجنوبية، إثر تناوله كميات كبيرة من مادة كحولية تستخدم للتعقيم.
"الكولونيا" و"السبيرتو" الطبي وسيلة الشباب المتوفرة للهرب من الواقع
ورغم عدم توفر احصاءات رسمية دقيقة ومفصلة لانتشار ظاهرة المخدرات في لواء الأغوار الجنوبية، وتاكيد ادارة مكافحة المخدرات على ان انتشارها في اللواء "يعد قليلا نسبيا" مقارنة بمناطق اخرى، فان مصدرا رسميا في ادارة مكافحة المخدرات يؤكد ان ما ينتشر بصورة لافتة في لواء الأغوار الجنوبية، هو لجوء فئة الشباب الى شرب وتعاطي مستحضرات طبية، رخيصة الثمن، مثل (مادة الكولونيا والسبيرتو الطبي)، المتوفرة في الصيدليات والمؤسسات الاستهلاكية؛ فهي تؤمن شعورا مخدرا، لكنها غير مدرجة على قائمة العقاقير الخطرة.
وارجع المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، سبب تداول تلك المستحضرات، الى ضعف توعية الاسر، مستبعدا "غياب الرقابة الرسمية في اللواء".
ولفت إلى أن نسبة تعاطي المواد المخدرة (المصنفة رسميا بانها مخدرات) في الأغوار الجنوبية تكاد لا تذكر في مكافحة المخدرات، مقارنة مع ما يتم ضبطه في باقي محافظات المملكة.
ورغم عدم تفصيل المصادر الرسمية بحجم انتشار المخدرات في الأغوار الجنوبية، فإن حجم الظاهرة على مستوى المملكة توضحه احصاءات ادارة مكافحة المخدرات، فبحسب مدير الإدارة العقيد مهند العطار؛ فان عدد قضايا المخدرات المضبوطة، للفترة من 1/1/2012 ولغاية 23/7/2012 وصلت إلى 2661 قضية، فيما بلغ عدد الاشخاص المضبوطين بقضايا حيازة وتعاطي واتجار المخدرات 3242 شخصاً.
ولفت العقيد العطار إلى أن مجموع ما تم ضبطه من الحبوب المخدرة هو حوالي عشرة ملايين حبة، كما تم ضبط 475 كيلوغراما من الحشيش المخدر، و45 كيلوغراما من الهيروين المخدر، و60 كيلوغراما من الكوكائين المخدر، و10 كيلوغرامات من الافيون المخدر.
من جهته، يرى متصرف لواء الأغوار الجنوبية محمد الزيدانيين، أن مديرية الأوقاف ووزارة التربية وهيئة شباب كلنا الأردن والأندية الشبابية وعدد من مؤسسات المجتمع المحلي، "ستعد خطة لاستهداف أكبر شريحة ممكنة من الشباب في اللواء". مؤكدا خطورة انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية بين الشباب في مجتمعاتنا.
ويعول الزياديين، في تصريح لـ"الغد"، على دور الأندية والمراكز الشبابية ودور العبادة في مكافحة مشكلة المخدرات، عبر "استهداف الشباب من خلال إشراكهم في الأنشطة الفاعلة التي تنمي مواهبهم توعيتهم".
فتش عن الفقر والبطالة
ووفقَ اختصاصي الطب النفسي د. أحمد الشيخ؛ فإن الاعتماد على المواد المخدرة يزداد في ظل ارتفاع البطالة والفقر في الأغوار الجنوبية. ويعزو السبب في ذلك الى وجود وقت فراغ كبير لدى الشباب، نظراً لعدم توفر عمل لهم، والاغراق في الهم والاحباط.
كما يصعب على المتعاطي اتخاذ خطوة العلاج، لسبب رئيسي هو النظرة الاجتماعية له، حسب الشيخ، والذي يضيف ان المخدرات تعطل الحياة المهنية للشريحة العاملة والبناءة في المجتمع، وهي فئة الشباب.
ويؤكد الشيخ، أن المتعاطين للمخدرات، من العاطلين عن العمل، يحاولون إيجاد مبرر لسلوكياتهم، فيواجهون واقعهم الصعب بتعاطي المواد المخدرة.
وتظهر دراسة ميدانية سريعة، كان نفذها عدد من أعضاء الجمعيات الخيرية والتعاونية في غور الصافي، وشملت عددا من الأحياء السكنية في المنطقة، أن متعاطي المخدرات في المنطقة هم "من أسر تعاني الفقر الشديد".
وأبدى عدد من الأمهات تخوفهن من ازدياد ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة والمشروبات الروحية، لا سيما بين أوساط من هم تحت سن الخامسة عشرة.
وأشارت الامهات، بحسب الدراسة، الى ان ظاهرة انتشار المخدرات والمشروبات الروحية، جاءت نتيجة سهولة الحصول عليها من مروجين يبيعونها في مناطق أصبحت معروفة (....)".
وطالبن بتوفير "برامج توعوية، وتفعيل العمل التطوعي لدى الشباب من قبل مؤسسات المجتمع المدني والأندية الشبابية في المنطقة، في ظل غياب أماكن للتسلية والترفيه".
ووفق الدراسة، التي جاءت ضمن برنامج تدريبي، نفذه الصندوق الأردني الهاشمي بدعم من وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وضمن برنامج تمكين مناطق جيوب الفقر، فإن "مشكلة البطالة وتعاطي المخدرات بين فئات الشباب العاطلين عن العمل، تشكل اولوية لهم للعمل على ايجاد حلول ناجعة لها".
أهالي اللواء: لا قمحة ولا شعيرة
ويسيطر همّ البطالة والبحث عن وظيفة على حياة شباب لواء الأغوار الجنوبية، الذي يرتع في الفقر والفاقة، ويطالب شباب عاطلون عن العمل هناك الحكومة، بضرورة حل مشكلاتهم المزمنة وإنصافهم، خصوصا وان جيب الفقر يتسع في مناطق اللواء في ظل "غياب عدالة الأولوية في التعيينات".
يقول محمد الدغيمات، المتقاعد من الجيش، والذي يتقاضى راتب 340 دينارا، شارحاً واقع المنطقة، إن الشركات العاملة في المنطقة "لا تقوم بتوظيف سوى العدد القليل من ابناء اللواء".
ويتساءل، هو ورفيقه عامل الوطن عمر سليمان، الذي يتقاضى راتب 90 دينارا مقابل عمله 14 يوماً في الشهر، "أليس من الاولى ان يعمل في تلك الشركات شباب المنطقة بدلاً من العمالة الوافدة؟".
وتزداد نسبة العاطلين عن العمل في الأغوار الجنوبية، جراء عدة اسباب، وتتصف بشكل عام بتدني المستويات التعليمية ما يحد من فرص العمل امام العديد من شبابها، فيما تغيب بعض المشاريع التنموية التي يمكن لها ان تشغل الأيدي العاملة المحلية.
وفي سياق متصل، اكد رئيس هيئة المناطق التنموية والحرة عامر المجالي لـ"الغد"، ان لواء الأغوار الجنوبية يعاني من نقص في المشاريع التنموية، ما يؤدي الى ارتفاع نسبة البطالة فيه. الأمر الذي يستوجب تشجيع المستثمرين نحو انشاء مشاريع تنموية ناجحة ودائمة، تسعى لإيجاد فرص عمل جديدة فيه.
واعتبر المجالي أن فشل اي مشروع استثماري في الأغوار، سيدفع ثمنه سكانه من جهة، وسيؤثر بالتالي على النهضة الاقتصادية في اللواء من جهة اخرى.
ومن المشاريع المعروفة التي تم اغلاقها منذ أعوام، حسب قول المجالي، مصنع البندورة الذي كان يستوعب حوالي 600 عامل من المنطقة.
يشير العشريني سعيد يعقوب، من منطقة غور المزرعة، إلى ضرورة "إلزام الشركات والمؤسسات العامة في اللواء بتوفير فرص عمل، ومنح الاولوية للعمالة المحلية على الوافدين، لضمان سبل عيش كريم لهم".
واضاف يعقوب "رغم مرور سنوات طويلة، وانا ابحث عن عمل، لم يتسن لي الحصول على فرصة عمل واحدة، علما بأنني قمت بمراجعة الجهات المعنية في اللواء، وخاصة الشركات والمؤسسات الاقتصادية فيها، وكافة الابواب أوصدت أمامي".
بحرقة شديدة، يقول الشاب يعقوب "ان الكثير من شباب المنطقة يكافحون ظروفا معيشية صعبة، إذ بتنا عبئا على اسرنا وذوينا، فخجلنا من أنفسنا".
من جهته، اكد نائب رئيس نقابة المناجم والتعدين ماجد العضايلة بأن شركة البوتاس تستوعب من 300 الى 400 عامل من اهالي لواء الأغوار الجنوبية، مشيرا الى محاولات عديدة منذ سنوات لتثبيت هؤلاء العمال.
وطالب العضايلة الجهات الرسمية بخلق مشاريع تنموية جديدة، لتستوعب جميع شباب اللواء.
وقال العضايلة، "اننا في البداية كنا نعاني من عدم تشغيل اهالي اللواء في شركة البوتاس في ظل إدارات سابقة للشركة، لكن حالياً فان توجه الادارات الجديدة هو مع تشغيل اهالي المنطقة ومنحهم الاولوية في التعيينات".
ويبقى اللواء، الذي يتجاوز عدد سكانه 50 ألف نسمة، ويعتبر من اكبر ألوية محافظة الكرك من حيث المساحة، تحديا رئيسيا أمام التنمية الشاملة والنمو الاقتصادي والاجتماعي لأبناء اللواء.
ورغم وجود الشركات الكبرى في المنطقة، ومنها شركات البوتاس والبرومين ومغنيسيا ونميرا للأملاح وغيرها، فإن اللواء بحاجة للعديد من المشاريع التنموية والخدمية، التي من شأنها تحسين المستوى المعيشي لمواطني اللواء.
الفقر يضرب بقساوة البنى الاجتماعية والأسرية
ثنائية الفقر والبطالة تعد مرجلا كبيرا يولد مشاكل ومآسي اجتماعية ومعيشية وانسانية لا تنتهي، ولا ينجو لواء الأغوار الجنوبية من هذه المعادلة، حيث ينعكس الفقر والبطالة بقساوة على البنى الاجتماعية والاسرية للسكان.
ونتيجة لارتفاع معدلات البطالة بين صفوف اهالي المنطقة، وازدياد معدلات الفقر، التي تقدر رسميا بـ 30 %، ظهرت على السطح مشاكل اجتماعية قاسية، من أبرزها ظاهرة "العنوسة" وارتفاع معدل الخصوبة، الى جانب تفشي ظاهرتي الطلاق والتفكك الأسري، وهي مشاكل تولد ايضا مشاكل قانونية واجتماعية اخرى، مثل انتشار السرقة والتسول.
منى سيدة في العقد الرابع من عمرها، تنتظر عريسا، يطرق باب منزلها ليطلبها للزواج، حسب قولها لـ "الغد".
لكن حلمها برؤية طفل لها، تبدد نتيجة عزوف شباب منطقتها عن الزواج.
وهي تعزو ذلك إلى غلاء المهور وارتفاع كلفة الحفلات، وعدم توفر عمل للشباب بشكل دائم.
وتعد المنطقة وفق سجلات المحكمة الشرعية من أكثر مناطق المملكة تسجيلا لنسب الطلاق بين حديثي الزواج.
وسجلت حالات الطلاق للفتيات دون سن الثامنة عشرة ما نسبته 75 % من إجمالي حالات الطلاق في اللواء، بواقع 30 حالة من أصل 42 حالة خلال الأشهر الماضية، وفق مصادر في محكمة غور الصافي الشرعية.
الستينية ام فوزي، لديها ثلاثة ابناء، اكبرهم يبلغ من العمر 31 عاماً، وأصغرهم 23 عاما، رفعت يديها الى السماء داعيةً الله "ان ترى ابناءها عرساناً قبل موتها"، لكنهم جميعا لم يدخلوا القفص الذهبي بعد، بسبب عدم زواجهم "لقلة الحيلة".
ويتمنى ابنها الاكبر فوزي العمل في دائرة حكومية، ليضمن راتبا بشكل مستمر، ويطمح الأوسط بفتح بقالة صغيرة لعدم اكماله الدراسة الثانوية.
اما "آخر العنقود" فقد قال لـ"الغد" بصوت مرتعش، "أتمنى ان ادخل الجامعة، لأصبح اول شاب جامعي في العائلة، واحظى بوظيفة في شركة البوتاس".
رئيسة جمعية سيدات غور الصافي نوفة النواصرة، شخصت بدقة المشكلة "القديمة الجديدة" التي يعاني منها واحد من جيوب الفقر العشرين في المملكة.
وترى ان فشل المشاريع التنموية، التي نفذتها مؤسسات تنموية خاصة، أوكلت لها وزارة التخطيط دراسة تنمية منطقة الأغوار الجنوبية، لم تراع احتياجات سكان المنطقة والتحديات التي تواجههم.
واشارت النواصرة في تصريح سابق لـ"الغد"، الى ان تلك المؤسسات اقتصرت على عدد محدود من الأشخاص، ليس لديهم الخبرة والكفاءة على خلق أفكار مشاريع ومبادرات تنموية للمنطقة.
وأوضحت أن الحكومات المتعاقبة فشلت في إيجاد فرص عمل للشباب الذين يشكلون ما نسبته 60 % من عدد سكان اللواء.
كما اظهرت الدراسة، التي نفذتها وزارة التخطيط على 32 جيب فقر، ان بعض الأسر في المنطقة، والتي يصل عدد افرادها الى 10 افراد، يسكنون في غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها 4 أمتار، لا تكفيهم، وفق وصفهم، لتوفير ابسط المتطلبات الاساسية للحياة اليومية.
واكد عدد من الشباب، خلال مقابلات منفصلة لـ "الغد" معهم، ان السكن مع العائلة أصبح الحل الوحيد للهرب من شبح الطلاق، نتيجة عدم استطاعتهم توفير منزل، وتدني الدخل لأبناء اللواء، حيث لا يتعدى دخل الفرد فيه 200 دينار.
نقص في الخدمات الصحية
يزيد من معاناة اهالي اللواء، الى جانب الفقر والبطالة، تردي واقع الخدمات الصحية, وانتشار امراض الطفولة بشكل خاص، مثل فقر الدم الناتج عن سوء التغذية رغم تنظيم حملات صحية لمكافحها.
وتؤكد حملة لمكافحة فقر الدم، كانت نظمتها جمعية إنقاذ الطفل في لواء الأغوار الجنوبية، أن 30 % من سكان المنطقة، يعانون من فقر الدم، وهي من أعلى النسب على مستوى المملكة، وفق منسقة الحملة أبرار العريض.
وتقول العريض لـ "الغد" ان نحو 1000 أم وطفل استفادوا من الحملة في مناطق غور الصافي والنقع والمعمورة وفيفا، والتي تعتبر من أشد المناطق فقرا في المملكة.
وتشير الى أن فقر الدم يلعب دورا أساسيا في ضعف التحصيل العلمي لدى الأطفال، كونه يؤثر على قدراتهم العقلية والذهنية ويؤثر كذلك على نشاطهم ونموهم.
ولفت المواطن يوسف كاظم من أهالي اللواء، الى النقص الشديد في التخصصات الطبية الحيوية، مطالبا من الحكومة ووزارة الصحة بدعم المراكز بالكثير من الكوادر الطبية والتمريضية وأطباء الاختصاص والأطفال والنسائية والتوليد. اضافة الى تمديد دوام المراكز الصحية الشاملة الى 24 ساعة.
الحلقة تكتمل بتردي الواقع التعليمي
ويشهد اللواء تراجعا حقيقيا في التعليم الاساسي، ويرافقه انخفاض ملحوظ في معدلات الثانوية العامة. بانتظار خطة رسمية، بالتشارك مع المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني، لرفع مستويات التوعية بين الفئات الشبابية باهمية التعليم ومخاطر المخدرات.
ويشكو اولياء امور طلبة لـ "الغد" أن ثلاث مدارس في اللواء (اثنتان منها للذكور في غور فيفا، وواحدة في بلدة النقع)، انعدمت فيها نسبة النجاح في امتحان الثانوية العامة الى صفر للسنة الثالثة على التوالي. بينما لم تزد نسبة النجاح في جميع فروع التوجيهي في مدارس اللواء على 15 %، وهي تعتبر من أدنى نسب النجاح على مستوى المملكة.
هذا الواقع التعليمي الذي تعكسه نتائج التوجيهي في اللواء، يؤشر الى "كارثة" تعليمية، لابد للحكومة ان تلتفت اليها وتعالج اسبابها، بحسب مختصين.
ويعزو الاهالي اسباب تردي المستوى التعليمي إلى نقص المعلمين، ونفور العديد منهم من الخدمة والعمل في اللواء، ويطالب الاهالي وزارة التربية والتعليم بتشكيل لجان ميدانية لدراسة مطالب الاهالي التعليمية، ووضع الحلول للازمة.
ويشير المواطن لطفي هشام (42 عاما)، إلى ان أغلب المعلمين والمعلمات، الذين يدرسون في مدارس اللواء من خارجه، الأمر الذي يجعل بقاءهم في السلك التدريسي أمرا غاية في الصعوبة، حيث يسارع العديد من المعلمين الى طلب نقلهم "بواسطة" إلى أماكن سكناهم خارج اللواء، ما يؤثر سلبا على الواقع التعليمي، وعلى مستوى تحصيل الطلبة في امتحان الثانوية العامة.
ويلفت أهالي اللواء إلى أنهم باتوا يحصدون ثمن نسيان الدولة لهم بتوفير مشاريع تنموية ناجحة؛ ورفع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والزراعية، وفوق كل ذلك تردي الأوضاع المعيشية التي وضعت اللواء على صفيح ساخن "لا يحمد عقباه".
ويوضح "الغوارنة" أن فشل مشاريع تنموية في منطقة الأغوار الجنوبية، عمق فجوة الفقر وانتشار البطالة في اللواء.
ونتيجة لتجاهل الحكومات في إدراج برامج للنهوض بواقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية في أراضي اللواء، فإنه ما يزال يتربع على عرش جيوب الفقر في المملكة.
ورغم وجود شركات ومصانع ومشاريع تتوسع على أراضي اللواء، ويتعاظم رأس مالها وارباحها، إلا أنها تسهم في نخر جيوب أهاليها، وضياع أغلب شبابها الذين يشكلون ما نسبته 60 % من سكان اللواء، وتدفعهم للعيش في سراديب "الانحراف وتعاطي المخدرات"، رغم تعهدات تلك الشركات بتصويب أخطاء إداراتها السابقة، التي كانت "تعتمد على العمالة الوافدة وتستبعد العمالة المحلية".
بؤرة ساخنة لتعاطي وإدمان المواد الطيارة والمخدرات
وأدت ثنائية "الفقر" و"البطالة" إلى تحويل اللواء لـ"بؤرة ساخنة"، لترويج وتعاطي المخدرات في وضح النهار، في ظل ضعف رقابة الجهات الرسمية، وفق مواطنين.
وأوضح سكان المنطقة أن الشركات الكبرى لم تكتف بالتنصل من مسؤوليتها المجتمعية، بل تلوث هواءها النقي وتنفث سموم دخانها في اجسام أبنائها "بلا رأفة ولا رحمة".
ويسرد عدد من سكان الأغوار الجنوبية، عبر لقاءات مع "الغد"، خلال جولة للمنطقة، اوجه معاناة لا تنتهي وتتشعب لتطال مختلف جوانب الحياة في اللواء، وسط إحباط شديد من إيجاد حلول ناجعة لـ "تخفيض معدلات البطالة المرتفعة بين سكانها".
هروبا من مستنقع الفقر والعوز، وجدت أعداد لا باس بها من شباب الغور ملاذا آمنا لملء فراغها عن طريق تناول المخدرات والمشروبات الكحولية، حسب قول بعضهم لـ "الغد"، غير مكترثين بالانعكاسات السلبية على صحتهم.
الشاب أشرف قضى سنوات عمره بحثاً عن عمل ينشله من مستنقع الفقر والعوز، فبعد أن وجد الطريق مسدوداً أمامه، لجأ لتعاطي مادة الحشيش، ليجعل منها هو ورفاقه السبيل الوحيد لـ"نسيان هموم الدنيا وأوجاعها".
ويقول أشرف، وفي عينيه بصيص أمل "أنا كلي يقين انه في حال تم تأمين عمل لي، حتى لو براتب زهيد، سأترك تعاطي الحشيش الى الأبد، وعند النظر في المرآة اجد نفسي شخصا محترما، لكن نظرة المجتمع بأني شاب متعطل عن العمل تكاد لا تفارقني".
اما علي، الشاب الثلاثيني فقد اعتاد تناول الحبوب المخدرة، "جراء مرضي المزمن"، وهو مرض يلازمه منذ نعومة أظفاره، ليجد فيها الراحة اليومية. يقول لـ"الغد"، "أنا المعيل الوحيد لوالدتي وأختي، جربت مادة الحشيش اكثر من مرة، اذ أشعر بتناولها بالراحة والابتعاد عن المشاجرات"، معربا عن تخوفاته بان "تتطور حالة ادمانه المرخصة طبيا".
وفي مهن غير منظمة، يعمل الشاب علي بشكل متقطع، حسب ما تسمح له حالته الصحية، إلا انه يأمل بـ "أن يعمل في عمان، لتوفر فرص العمل هناك"، ولإمكانية تحقيق احلامه بتوفير "دخل جيد" حسب قوله.
وتجرع الشاب علي الشهر الماضي مرارة مصرع شقيقه الاصغر في غور الصافي بلواء الأغوار الجنوبية، إثر تناوله كميات كبيرة من مادة كحولية تستخدم للتعقيم.
"الكولونيا" و"السبيرتو" الطبي وسيلة الشباب المتوفرة للهرب من الواقع
ورغم عدم توفر احصاءات رسمية دقيقة ومفصلة لانتشار ظاهرة المخدرات في لواء الأغوار الجنوبية، وتاكيد ادارة مكافحة المخدرات على ان انتشارها في اللواء "يعد قليلا نسبيا" مقارنة بمناطق اخرى، فان مصدرا رسميا في ادارة مكافحة المخدرات يؤكد ان ما ينتشر بصورة لافتة في لواء الأغوار الجنوبية، هو لجوء فئة الشباب الى شرب وتعاطي مستحضرات طبية، رخيصة الثمن، مثل (مادة الكولونيا والسبيرتو الطبي)، المتوفرة في الصيدليات والمؤسسات الاستهلاكية؛ فهي تؤمن شعورا مخدرا، لكنها غير مدرجة على قائمة العقاقير الخطرة.
وارجع المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، سبب تداول تلك المستحضرات، الى ضعف توعية الاسر، مستبعدا "غياب الرقابة الرسمية في اللواء".
ولفت إلى أن نسبة تعاطي المواد المخدرة (المصنفة رسميا بانها مخدرات) في الأغوار الجنوبية تكاد لا تذكر في مكافحة المخدرات، مقارنة مع ما يتم ضبطه في باقي محافظات المملكة.
ورغم عدم تفصيل المصادر الرسمية بحجم انتشار المخدرات في الأغوار الجنوبية، فإن حجم الظاهرة على مستوى المملكة توضحه احصاءات ادارة مكافحة المخدرات، فبحسب مدير الإدارة العقيد مهند العطار؛ فان عدد قضايا المخدرات المضبوطة، للفترة من 1/1/2012 ولغاية 23/7/2012 وصلت إلى 2661 قضية، فيما بلغ عدد الاشخاص المضبوطين بقضايا حيازة وتعاطي واتجار المخدرات 3242 شخصاً.
ولفت العقيد العطار إلى أن مجموع ما تم ضبطه من الحبوب المخدرة هو حوالي عشرة ملايين حبة، كما تم ضبط 475 كيلوغراما من الحشيش المخدر، و45 كيلوغراما من الهيروين المخدر، و60 كيلوغراما من الكوكائين المخدر، و10 كيلوغرامات من الافيون المخدر.
من جهته، يرى متصرف لواء الأغوار الجنوبية محمد الزيدانيين، أن مديرية الأوقاف ووزارة التربية وهيئة شباب كلنا الأردن والأندية الشبابية وعدد من مؤسسات المجتمع المحلي، "ستعد خطة لاستهداف أكبر شريحة ممكنة من الشباب في اللواء". مؤكدا خطورة انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية بين الشباب في مجتمعاتنا.
ويعول الزياديين، في تصريح لـ"الغد"، على دور الأندية والمراكز الشبابية ودور العبادة في مكافحة مشكلة المخدرات، عبر "استهداف الشباب من خلال إشراكهم في الأنشطة الفاعلة التي تنمي مواهبهم توعيتهم".
فتش عن الفقر والبطالة
ووفقَ اختصاصي الطب النفسي د. أحمد الشيخ؛ فإن الاعتماد على المواد المخدرة يزداد في ظل ارتفاع البطالة والفقر في الأغوار الجنوبية. ويعزو السبب في ذلك الى وجود وقت فراغ كبير لدى الشباب، نظراً لعدم توفر عمل لهم، والاغراق في الهم والاحباط.
كما يصعب على المتعاطي اتخاذ خطوة العلاج، لسبب رئيسي هو النظرة الاجتماعية له، حسب الشيخ، والذي يضيف ان المخدرات تعطل الحياة المهنية للشريحة العاملة والبناءة في المجتمع، وهي فئة الشباب.
ويؤكد الشيخ، أن المتعاطين للمخدرات، من العاطلين عن العمل، يحاولون إيجاد مبرر لسلوكياتهم، فيواجهون واقعهم الصعب بتعاطي المواد المخدرة.
وتظهر دراسة ميدانية سريعة، كان نفذها عدد من أعضاء الجمعيات الخيرية والتعاونية في غور الصافي، وشملت عددا من الأحياء السكنية في المنطقة، أن متعاطي المخدرات في المنطقة هم "من أسر تعاني الفقر الشديد".
وأبدى عدد من الأمهات تخوفهن من ازدياد ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة والمشروبات الروحية، لا سيما بين أوساط من هم تحت سن الخامسة عشرة.
وأشارت الامهات، بحسب الدراسة، الى ان ظاهرة انتشار المخدرات والمشروبات الروحية، جاءت نتيجة سهولة الحصول عليها من مروجين يبيعونها في مناطق أصبحت معروفة (....)".
وطالبن بتوفير "برامج توعوية، وتفعيل العمل التطوعي لدى الشباب من قبل مؤسسات المجتمع المدني والأندية الشبابية في المنطقة، في ظل غياب أماكن للتسلية والترفيه".
ووفق الدراسة، التي جاءت ضمن برنامج تدريبي، نفذه الصندوق الأردني الهاشمي بدعم من وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وضمن برنامج تمكين مناطق جيوب الفقر، فإن "مشكلة البطالة وتعاطي المخدرات بين فئات الشباب العاطلين عن العمل، تشكل اولوية لهم للعمل على ايجاد حلول ناجعة لها".
أهالي اللواء: لا قمحة ولا شعيرة
ويسيطر همّ البطالة والبحث عن وظيفة على حياة شباب لواء الأغوار الجنوبية، الذي يرتع في الفقر والفاقة، ويطالب شباب عاطلون عن العمل هناك الحكومة، بضرورة حل مشكلاتهم المزمنة وإنصافهم، خصوصا وان جيب الفقر يتسع في مناطق اللواء في ظل "غياب عدالة الأولوية في التعيينات".
يقول محمد الدغيمات، المتقاعد من الجيش، والذي يتقاضى راتب 340 دينارا، شارحاً واقع المنطقة، إن الشركات العاملة في المنطقة "لا تقوم بتوظيف سوى العدد القليل من ابناء اللواء".
ويتساءل، هو ورفيقه عامل الوطن عمر سليمان، الذي يتقاضى راتب 90 دينارا مقابل عمله 14 يوماً في الشهر، "أليس من الاولى ان يعمل في تلك الشركات شباب المنطقة بدلاً من العمالة الوافدة؟".
وتزداد نسبة العاطلين عن العمل في الأغوار الجنوبية، جراء عدة اسباب، وتتصف بشكل عام بتدني المستويات التعليمية ما يحد من فرص العمل امام العديد من شبابها، فيما تغيب بعض المشاريع التنموية التي يمكن لها ان تشغل الأيدي العاملة المحلية.
وفي سياق متصل، اكد رئيس هيئة المناطق التنموية والحرة عامر المجالي لـ"الغد"، ان لواء الأغوار الجنوبية يعاني من نقص في المشاريع التنموية، ما يؤدي الى ارتفاع نسبة البطالة فيه. الأمر الذي يستوجب تشجيع المستثمرين نحو انشاء مشاريع تنموية ناجحة ودائمة، تسعى لإيجاد فرص عمل جديدة فيه.
واعتبر المجالي أن فشل اي مشروع استثماري في الأغوار، سيدفع ثمنه سكانه من جهة، وسيؤثر بالتالي على النهضة الاقتصادية في اللواء من جهة اخرى.
ومن المشاريع المعروفة التي تم اغلاقها منذ أعوام، حسب قول المجالي، مصنع البندورة الذي كان يستوعب حوالي 600 عامل من المنطقة.
يشير العشريني سعيد يعقوب، من منطقة غور المزرعة، إلى ضرورة "إلزام الشركات والمؤسسات العامة في اللواء بتوفير فرص عمل، ومنح الاولوية للعمالة المحلية على الوافدين، لضمان سبل عيش كريم لهم".
واضاف يعقوب "رغم مرور سنوات طويلة، وانا ابحث عن عمل، لم يتسن لي الحصول على فرصة عمل واحدة، علما بأنني قمت بمراجعة الجهات المعنية في اللواء، وخاصة الشركات والمؤسسات الاقتصادية فيها، وكافة الابواب أوصدت أمامي".
بحرقة شديدة، يقول الشاب يعقوب "ان الكثير من شباب المنطقة يكافحون ظروفا معيشية صعبة، إذ بتنا عبئا على اسرنا وذوينا، فخجلنا من أنفسنا".
من جهته، اكد نائب رئيس نقابة المناجم والتعدين ماجد العضايلة بأن شركة البوتاس تستوعب من 300 الى 400 عامل من اهالي لواء الأغوار الجنوبية، مشيرا الى محاولات عديدة منذ سنوات لتثبيت هؤلاء العمال.
وطالب العضايلة الجهات الرسمية بخلق مشاريع تنموية جديدة، لتستوعب جميع شباب اللواء.
وقال العضايلة، "اننا في البداية كنا نعاني من عدم تشغيل اهالي اللواء في شركة البوتاس في ظل إدارات سابقة للشركة، لكن حالياً فان توجه الادارات الجديدة هو مع تشغيل اهالي المنطقة ومنحهم الاولوية في التعيينات".
ويبقى اللواء، الذي يتجاوز عدد سكانه 50 ألف نسمة، ويعتبر من اكبر ألوية محافظة الكرك من حيث المساحة، تحديا رئيسيا أمام التنمية الشاملة والنمو الاقتصادي والاجتماعي لأبناء اللواء.
ورغم وجود الشركات الكبرى في المنطقة، ومنها شركات البوتاس والبرومين ومغنيسيا ونميرا للأملاح وغيرها، فإن اللواء بحاجة للعديد من المشاريع التنموية والخدمية، التي من شأنها تحسين المستوى المعيشي لمواطني اللواء.
الفقر يضرب بقساوة البنى الاجتماعية والأسرية
ثنائية الفقر والبطالة تعد مرجلا كبيرا يولد مشاكل ومآسي اجتماعية ومعيشية وانسانية لا تنتهي، ولا ينجو لواء الأغوار الجنوبية من هذه المعادلة، حيث ينعكس الفقر والبطالة بقساوة على البنى الاجتماعية والاسرية للسكان.
ونتيجة لارتفاع معدلات البطالة بين صفوف اهالي المنطقة، وازدياد معدلات الفقر، التي تقدر رسميا بـ 30 %، ظهرت على السطح مشاكل اجتماعية قاسية، من أبرزها ظاهرة "العنوسة" وارتفاع معدل الخصوبة، الى جانب تفشي ظاهرتي الطلاق والتفكك الأسري، وهي مشاكل تولد ايضا مشاكل قانونية واجتماعية اخرى، مثل انتشار السرقة والتسول.
منى سيدة في العقد الرابع من عمرها، تنتظر عريسا، يطرق باب منزلها ليطلبها للزواج، حسب قولها لـ "الغد".
لكن حلمها برؤية طفل لها، تبدد نتيجة عزوف شباب منطقتها عن الزواج.
وهي تعزو ذلك إلى غلاء المهور وارتفاع كلفة الحفلات، وعدم توفر عمل للشباب بشكل دائم.
وتعد المنطقة وفق سجلات المحكمة الشرعية من أكثر مناطق المملكة تسجيلا لنسب الطلاق بين حديثي الزواج.
وسجلت حالات الطلاق للفتيات دون سن الثامنة عشرة ما نسبته 75 % من إجمالي حالات الطلاق في اللواء، بواقع 30 حالة من أصل 42 حالة خلال الأشهر الماضية، وفق مصادر في محكمة غور الصافي الشرعية.
الستينية ام فوزي، لديها ثلاثة ابناء، اكبرهم يبلغ من العمر 31 عاماً، وأصغرهم 23 عاما، رفعت يديها الى السماء داعيةً الله "ان ترى ابناءها عرساناً قبل موتها"، لكنهم جميعا لم يدخلوا القفص الذهبي بعد، بسبب عدم زواجهم "لقلة الحيلة".
ويتمنى ابنها الاكبر فوزي العمل في دائرة حكومية، ليضمن راتبا بشكل مستمر، ويطمح الأوسط بفتح بقالة صغيرة لعدم اكماله الدراسة الثانوية.
اما "آخر العنقود" فقد قال لـ"الغد" بصوت مرتعش، "أتمنى ان ادخل الجامعة، لأصبح اول شاب جامعي في العائلة، واحظى بوظيفة في شركة البوتاس".
رئيسة جمعية سيدات غور الصافي نوفة النواصرة، شخصت بدقة المشكلة "القديمة الجديدة" التي يعاني منها واحد من جيوب الفقر العشرين في المملكة.
وترى ان فشل المشاريع التنموية، التي نفذتها مؤسسات تنموية خاصة، أوكلت لها وزارة التخطيط دراسة تنمية منطقة الأغوار الجنوبية، لم تراع احتياجات سكان المنطقة والتحديات التي تواجههم.
واشارت النواصرة في تصريح سابق لـ"الغد"، الى ان تلك المؤسسات اقتصرت على عدد محدود من الأشخاص، ليس لديهم الخبرة والكفاءة على خلق أفكار مشاريع ومبادرات تنموية للمنطقة.
وأوضحت أن الحكومات المتعاقبة فشلت في إيجاد فرص عمل للشباب الذين يشكلون ما نسبته 60 % من عدد سكان اللواء.
كما اظهرت الدراسة، التي نفذتها وزارة التخطيط على 32 جيب فقر، ان بعض الأسر في المنطقة، والتي يصل عدد افرادها الى 10 افراد، يسكنون في غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها 4 أمتار، لا تكفيهم، وفق وصفهم، لتوفير ابسط المتطلبات الاساسية للحياة اليومية.
واكد عدد من الشباب، خلال مقابلات منفصلة لـ "الغد" معهم، ان السكن مع العائلة أصبح الحل الوحيد للهرب من شبح الطلاق، نتيجة عدم استطاعتهم توفير منزل، وتدني الدخل لأبناء اللواء، حيث لا يتعدى دخل الفرد فيه 200 دينار.
نقص في الخدمات الصحية
يزيد من معاناة اهالي اللواء، الى جانب الفقر والبطالة، تردي واقع الخدمات الصحية, وانتشار امراض الطفولة بشكل خاص، مثل فقر الدم الناتج عن سوء التغذية رغم تنظيم حملات صحية لمكافحها.
وتؤكد حملة لمكافحة فقر الدم، كانت نظمتها جمعية إنقاذ الطفل في لواء الأغوار الجنوبية، أن 30 % من سكان المنطقة، يعانون من فقر الدم، وهي من أعلى النسب على مستوى المملكة، وفق منسقة الحملة أبرار العريض.
وتقول العريض لـ "الغد" ان نحو 1000 أم وطفل استفادوا من الحملة في مناطق غور الصافي والنقع والمعمورة وفيفا، والتي تعتبر من أشد المناطق فقرا في المملكة.
وتشير الى أن فقر الدم يلعب دورا أساسيا في ضعف التحصيل العلمي لدى الأطفال، كونه يؤثر على قدراتهم العقلية والذهنية ويؤثر كذلك على نشاطهم ونموهم.
ولفت المواطن يوسف كاظم من أهالي اللواء، الى النقص الشديد في التخصصات الطبية الحيوية، مطالبا من الحكومة ووزارة الصحة بدعم المراكز بالكثير من الكوادر الطبية والتمريضية وأطباء الاختصاص والأطفال والنسائية والتوليد. اضافة الى تمديد دوام المراكز الصحية الشاملة الى 24 ساعة.
الحلقة تكتمل بتردي الواقع التعليمي
ويشهد اللواء تراجعا حقيقيا في التعليم الاساسي، ويرافقه انخفاض ملحوظ في معدلات الثانوية العامة. بانتظار خطة رسمية، بالتشارك مع المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني، لرفع مستويات التوعية بين الفئات الشبابية باهمية التعليم ومخاطر المخدرات.
ويشكو اولياء امور طلبة لـ "الغد" أن ثلاث مدارس في اللواء (اثنتان منها للذكور في غور فيفا، وواحدة في بلدة النقع)، انعدمت فيها نسبة النجاح في امتحان الثانوية العامة الى صفر للسنة الثالثة على التوالي. بينما لم تزد نسبة النجاح في جميع فروع التوجيهي في مدارس اللواء على 15 %، وهي تعتبر من أدنى نسب النجاح على مستوى المملكة.
هذا الواقع التعليمي الذي تعكسه نتائج التوجيهي في اللواء، يؤشر الى "كارثة" تعليمية، لابد للحكومة ان تلتفت اليها وتعالج اسبابها، بحسب مختصين.
ويعزو الاهالي اسباب تردي المستوى التعليمي إلى نقص المعلمين، ونفور العديد منهم من الخدمة والعمل في اللواء، ويطالب الاهالي وزارة التربية والتعليم بتشكيل لجان ميدانية لدراسة مطالب الاهالي التعليمية، ووضع الحلول للازمة.
ويشير المواطن لطفي هشام (42 عاما)، إلى ان أغلب المعلمين والمعلمات، الذين يدرسون في مدارس اللواء من خارجه، الأمر الذي يجعل بقاءهم في السلك التدريسي أمرا غاية في الصعوبة، حيث يسارع العديد من المعلمين الى طلب نقلهم "بواسطة" إلى أماكن سكناهم خارج اللواء، ما يؤثر سلبا على الواقع التعليمي، وعلى مستوى تحصيل الطلبة في امتحان الثانوية العامة.