اخبار البلد : " هنا لندن " ... عبارة طالما "أدمن" العرب على سماعها من الراديو في عقود كثيرة في القرن الماضي، ذلك أن العرب كانوا يعرفون ماذا يجري في بلادهم من تلك المحطة الإذاعية البريطانية، ورغم أن "السم كان يدس في الدسم أحيانا"، إلا أن العرب كانوا يصدقون كل ما يقوله الإنجليز.
ولـ"لندن" مكانة كبيرة في نفوس بعض أثرياء العرب؛ لأنها المكان المفضل لإنفاق المال ببذخ على طاولات القمار وقضاء الليالي الحمراء، و"بطولات" بعض العرب لا تعد ولا تحصى في غرف الفنادق الفاخرة.
اليوم تستضيف لندن دورة الألعاب الأولمبية، وفيها يتسابق رياضيو العالم على إحراز الميداليات مختلفة الألوان، إلا العرب فقد أبوا إلا أن يكونوا "صفرا على اليسار"، وحتى نهاية اليوم التاسع من الأولمبياد، فإن العرب "ويا للعجب" لم يحصلوا سوى على ميدالية فضية وميداليتين برونزيتين "دقوا على الخشب"، فلا مصر بكثرة عدد سكانها، ولا الخليج بملياراته التي لا تعد ولا تحصى، كانت قادرة على إحراز ميدالية ذهبية واحدة، بينما نجحت دول مثل جامايكا وإثيوبيا وكينيا وكازخستان في الحصول على ميداليات ذهبية.
ولأن الرياضة باتت "على خلاف مفاهيمها التقليدية" جزءا من "الحروب السياسية"، فإن سباق الحصول على الميداليات لا سيما الذهبية منها، بات أمرا مكشوفا في كل يوم، وأميركا بـ"جبروتها العسكري" والصين بـ"قوتها الاقتصادية وعدد سكانها"، باتتا في "نزاع يومي" للحصول على المركز الأول، بينما العرب دخلوا معا في سباق لـ"الإنفاق والتبذير" في الأسواق والبارات وأماكن لعب القمار، وجلس العرب على مقاعد المتفرجين يشاهدون إنجازات غيرهم بحسرة، ذلك أن العرب صدقوا أن المشاركة في أولمبياد لندن هي من أجل المشاركة "يعني شمة الهوا"، بينما أيقن الآخرون بأن المشاركة يجب أن تكون من أجل المنافسة وإثبات الوجود.
"الربيع العربي".. لم يشفع للعرب فعل شيء على الصعيد الرياضي، فكان ذلك امتدادا لمسلسلات الفشل السياسي والاقتصادي والعسكري، وتساقط الرياضيون العرب في حلبات المنافسة، كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف عند كل نسمة هواء وليس هبة ريح فحسب.
ويسجل للعرب أنهم تسابقوا في شهر رمضان لإصدار الفتاوى التي تجيز أو لا تجيز إفطار الرياضيين في رمضان، كما تسابقوا على إلهاء الناس بمسلسلات لا تعد ولا تحصى، وكثير منها يتحدث عن "بطولات زائفة" لأن الحقيقة قالت وتقول كل يوم غير ذلك.
ومما لا شك فيه أن المشاركة في مثل هذه التظاهرات الرياضية فيها الكثير من الفائدة؛ لأن الاحتكاك مع رياضيين محترفين سيرفع من المستويين الفني والتنافسي، ولكن هل تكفي المشاركة بدون تحقيق نتائج؟.
وربما من حسن حظ الرياضيين الأردنيين المشاركين في الأولمبياد، أن الإخفاق بات "علامة مسجلة باسم العرب جميعا"، رغم أن الآمال ما تزال قائمة على بعض الرياضيين لا سيما ما يتعلق بمشاركة نجوم منتخب التايكواندو.
وتتبادر إلى الذهن أسئلة كثيرة كلما انتهت دورة أولمبية.. هل ستحمل الدورة المقبلة جديدا غير الإخفاق المعتاد؟، وهل سيتمكن الرياضيون من الحصول على ميداليات أولمبية؟، وهل ستكون اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية قادرة على "صناعة بطل أولمبي"؟.
في الرسائل الإعلامية القادمة من لندن ما يبعث على العجب وليس الإعجاب، فما من لاعب من اللاعبين الأردنيين الذين شاركوا حتى الآن، الا ونجح بحمد الله في تجاوز رقمه الشخصي، والاقتراب تدريجيا من أحلامه الرياضية، رغم أنه لم يستطع "للأسف الشديد" تحطيم الأرقام العربية والقارية، التي لا مكان لها تقريبا بين الأرقام العالمية والأولمبية، ووحده الملاكم إيهاب درويش حاول أن يفعل شيئا، لكنه خرج على يد بطل العالم في وزنه، فاكتسبت مشاركته احترام المتابعين.
ومن المؤكد أن كثيرا من المتابعين لا يسألون عن أسباب الإخفاق بمقدار سؤالهم عن كيفية اختيار اللاعبين واللاعبات للمشاركة في الأولمبياد على حساب "البطاقات المجانية"؛ لأن البعض شارك بدون خوض منافسات.
ألعاب القوى والسباحة... ميدان واسع للحصول على كم وافر من الميداليات مختلفة الألوان، ومع ذلك ماذا حقق اللاعبون من إنجازات حقيقية في هذين الميدانين؟، فحتى على صعيد البطولات العربية الرسمية، لا وجود للرياضيين الأردنيين بشكل مناسب، ولا مجال للحديث عن إنجازات عربية، فكيف الحال اذا كان الحلم في الحصول على ميداليات أولمبية؟.
وربما، من قبيل المثال لا الحصر، لا بد من التساؤل.. هل ستبقى مشاركة السباحة مقتصرة الى أجل غير مسمى على السباح كريم عناب؟، ولماذا تشارك لاعبة مثل ريما فريد غائبة عن الساحة في مسابقات الجري وهي معتادة على مسابقة الوثب؟.
بين الأبيض والأسود في المشاركة في أولمبياد لندن، ثمة خيط واضح وضوح الشمس، يؤكد حتى اللحظة أن المشاركة من أجل المنافسة في الأولمبياد أمر لا مجال للحديث عنه، طالما بقيت الأمور تسير على هذا المنوال، وطالما بقي الطموح مقتصرا على ترديد "اسطوانة مشروخة" مفادها "تحطيم الرقم الشخصي".
بين أولمبياد لندن 2012 والأولمبياد المقبل في البرازيل، ثمة أربع سنوات، يمكن من خلالها العمل بجدية على إعداد لاعبين ولاعبات حسب الأصول وبعيدا عن "التنفيعات"، لحمل راية المشاركة من أجل المنافسة، وغير ذلك، فإن الصورة ستبقى كما هي "تيتي تيتي.. زي ما رحتي.. جيتي"، وسيبقى الإنفاق المالي في غير مكانه الصحيح.