مهارة لا تفيد أحدا


عندما ادّعى شخص أنه يستطيع إذا رمى إبرة أن يُدخلها في ثقب الأخرى وهكذا .. فقام بإثبات قدرته العجيبة تلك أمام الناس ، وعندما أفلح أخذ ينظر إليهم منتظرا منهم الإعجاب والاستحسان والتصفيق وربما المكافأة ، انبرى له أحد الموجودين فقال له : ولكنها مهارة لا تفيد أحدا . ولكني أستدرك قائلا بأن هذه المهارة قد تكون مفيدة فهي تدل على دقة متناهية قد تجعل من صاحبها رامٍ ماهر . ومع ذلك فان صاحبنا لم يدخل موسوعة " غينتس " ولم يسعى إليها ورثته فلعل الشهرة تصلهم بأثر رجعي ويترحم الناس على جدهم الأول الذي مات دون أن يصله من الشهرة جانب .
بل ربما كانت هذه المهارة أفضل وأكثر استحقاقا بدخول الموسوعة العتيدة من المهارات التي فعلا لا تفيد أحدا والتي يفتخر فاعلوها وكأنهم اخترعوا الذرة أو اكتشفوا كوكبا آخر، وتتنافس وسائل الأعلام على نقلها ونشرها وإضاعة وقت المشاهدين والمستمعين والقرّاء ، ناشرين هذه الثقافة التي لا تفيد أحدا حتى فاعليها .
ولا أدري لماذا نتخصص بهذا النوع من الإبداع . فمن أضخم صحن حمص إلى أطول قالب حلوى وأكبر طبق كنافة وأكثر عَلَم يستهلك أكبر كمية من القماش ... ومن الراعي لمثل هذه الإبداعات ومن يشجعها . وهل سُئل هؤلاء وماذا بعد ؟؟ . جميل أنك عملت أكبر حبة فلافل أو أكبر صحن حمص وبعد استهلاك كميات كبيرة من المكونات والتكاليف المُهدرة ، ما هي الخطوة التالية ، وهل سيفتح مطعما أو مصنعا يشغّل مئات العمال لتخفيف البطالة تصنع فيها هذا المنتج العظيم والاختراع الجبار . فان كنا نُهينا عن الخوض في المسائل والقضايا التي لا ينبني عليها عمل ، كان ذلك مع الأعمال التي لا يكون من وراءها فائدة أولى .
إن هذه " الإبداعات " والتي لا تُعمل ألا مرة واحدة ولا يستفيد منها أحد حتى من فعلها إلا إعلاميا ما هي مضيعة للوقت والجهد والمال . وبدل ذلك يجب البحث عن الأذكياء والنّابهين وتشجيعهم ليقوموا بالتجريب والاختراع ، فلعلّهم يصلوا إلى شيء يكون به رفعة وطننا وأمتنا ويضعنا على الطريق الصحيح الذي سارت عليه الأمم للوصول إلى تقدم حقيقي ونهضة تجعلنا من الشعوب التي تأخذ مكانها الطبيعي بين الأمم .
أما وجدتم غير الحمص والفلافل لتجعلوها ميدانا للمسابقات ولو عُمل تنظير لأجهزتنا الهضمية لوجد مكتوب عليها حمص فول فلافل وبالعكس . وأرجو أن لا يخرج علينا البعض بأفكار رائدة لاستكمال السلسلة ،أكبر صحن فول ، مسبحة ، ... الخ . ثم لماذا يتم التركيز على الحجم والكمية ؟ اليس الاهتمام بالنوعية أولى؟!. وما دام العرب دخلوا الموسوعة من خلال الطعام والبطون ، فلو قامت كل بلد بعمل أكبر صحن من أكلتها الشعبية فندخل جميعا الموسوعة ، فلعل غينتس يوحدنا بعد أن فرقنا سايكس وبيكو .