مؤتمر صحفي للفساد .. التوقيت والمضمون !

كنت إستمعت الى الإيضاحات التي عرضها رئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو في مؤتمره الصحفي , منه شخصيا في جلسة خاصة ضمت عددا من مفوضي الهيئة قبل المؤتمر بيومين , والتي قصد منها الإجابة على التساؤلات حول قضايا فساد وصلت الهيئة وهناك من يقول انها إختفت أو لم يتم التعامل معها .


شكا «الباشا» من تغييب الإعلام - بعضه - لجهود الهيئة وشكا من التعامل غير العلمي أو المهني لبعضه الأخر مع بعض القضايا , وشكا من تشويش البعض على عمل الهيئة باستخدام الإعلام عبر إستشارات وإعلانات وغيرها من الأساليب , لكنه لم يلحظ الشق الآخر من المعادلة , فكما أن هناك من يدفع بعض المال للتشويش على الهيئة هناك أيضا من يدفع المال لتحريك قضايا في الشارع للتعمية عن أخرى , وهناك من يحرك بعض الأصوات في الإعلام وفي الشارع لغايات الإبتزاز أو لتصفية حسابات بإثارة الرأي العام حول رموز معينة وهم من يجدر ملاحقتهم ومحاسبتهم بتهم الفساد أيضا .


أبلغت « الباشا « كمراقب بوجهة نظري حيال قضايا عدة كنت كتبت فيها ولم أخف موقفي المعروف في شأنها , ومن أن سقف التوقعات فيها قد رفع , وأن الجهات ذات العلاقة تشعر بنوع من الحرج في إيجاد مخرج لا يتسبب بصدمة في الشارع الذي إلتهب على وقع التصعيد فيها وكيف أن محاربة الفساد دخلت بقصد أو من دون قصد في لعبة الإعلام وكأن الغاية هي تحقيق أهداف سياسية والنتيجة قضايا سوقت بإعتبارها جوهرية يفترض أن تقود الى « تنظيف « الدولة من ممارسات أثرت سلبا على صورتها فتتعزز الثقة في مركزها كبيئة آمنة للإستثمار وللأعمال , وللحقوق وللعدالة , لكن ما حدث هو نقل الشائعات من الشارع الى أروقة المحاكم , والثمن تقديم رموز مرحلة , تسعى بعض الأصوات لتجييرها لمحاكمة نهج أو فترة زمنية حددت بعشر سنوات للنيل ليس من الرموز الوطنية فحسب بل من النظام ذاته !! .

 حتى قبل فتح التحقيقات أو حتى البدء بقراءة الأوراق ليتم التعامل معها بإعتبارها جرائم قد وقعت وما بقي هو ترجمة الأحكام التي قررها الشارع على شكل قرارات قضائية وما يتبقى هو إسترجاع مليارات الأموال المنهوبة !!. وكأن الغاية هي الإستجابة السريعة لضغوط شعبية أعادت إنتاج شائعات مختلطة تلقفتها على شكل حقائق عبر تسريبات غير رسمية أو على شكل ملفات قيد الإعداد أو معلومات لا يؤكدها او ينفيها احد في منأى عن قراءة متعمقة وعلمية للقضايا وما رافق ذلك كله من إستسهال الإتهام بالفساد وإغتيال سمعة شخص ما أو مؤسسة ما دون إنتظار لكلمة القضاء أو التوقف عند أليات تبييض صفحة البريء , التي تحتاج من جهات الإدعاء ذات الجرأة التي تحلت بها عندما أسندت التهم وكررت ما قلته دائما بأنه ليست فقط بعض التيارات والشخوص السياسية في البلاد هي من سعى الى ركوب موجة الفساد كمادة شعبية تحصد تأييدا في الشارع فبعض الحكومات ايضا , في تسييس واضح للقضايا وضعت الدولة ومؤسساتها في محل شك .


أما في شان المؤتمر الصحفي , فليس من مجال للتشكيك في سلامة نوايا الهيئة ورئيسها وجديتهما في مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين وتنظيف الدولة قدر المستطاع من هذه الآفة , لكن هذه النوايا السليمة لم تكن يوماً ولن تكون في قادم الأيام في منآى عن الإستغلال فللأسف فثمة قوى تسعى لتحريف هذه الأهداف وهذه النوايا السليمة في توقيت وظرف صعب لا تمر به بلادنا فحسب بل المنطقة بأسرها في الوقت الذي تتعاظم فيه الحاجة إلى عمل كل ما من شأنه توحيد جبهتنا الداخلية وتصليبها بإعفاء المجتمع من ضجيج لا يحتاجه ومن صخب هو في غنى عنه ومن تسخين لا يزيد النار إلا سخونة , فهل الظرف الراهن يقتضي تسخين القضايا ؟. 


الجديد في المؤتمر الصحفي هو إحالة قضية ملف الفوسفات الى القضاء , ليتبين فيها الغث من السمين, وليقول القضاء كلمته المعصومة عن مؤثرات الشارع وضغوط قوى متعددة الغايات والأهداف , وإن كانت قضية الفوسفات قد شكلت ما يشبه « بيضة القبان « أو الجائزة الكبرى التي ابقت الهيئة في دائرة الضوء طيلة هذه الفترة من بين سلسلة القضايا التي أعاد « الباشا « التذكير فيها وهي في بعضها تقع ضمن إختصاص الهيئة , وفي معظمها إنتقلت من مكاتبها لعدم الإختصاص , فقد آن الأوان بعد مضي عام ونصف العام من التحقيقات التي رافقها من الصخب ومن اللغط ومن الشائعات المحمولة في يافطات الحراكات أكثر مما تبين فيها من حقائق , أن تضع أوزارها عند قضائنا العادل .