الدم مقابل المال

اخبار البلد 
بقلم : ماهر ابو طير 

هناك قوى سياسية تضغط على الأردن من أجل سيناريوهين، الاول اقامة منطقة عازلة في مناطق درعا وبعض المناطق السورية في مرحلة معينة، والثاني تدخل الجيش الاردني اذا انهار النظام للمساعدة بتأمين الأسلحة الكيماوية.

القوى السياسية التي تريد دوراً للاردن في السيناريوهين معاً أو أحدهما تلمح الى ان ملف المساعدات المالية التي لم يتم دفعها حتى الآن قد يكون مرتبطاً بأحد السيناريوهين وان المطلوب من الأردن أكثر من الدور الانساني وهكذا تتبدى القصة باعتبارها مقايضة.

غير أنها مقايضة بين المال والدم والمال متوافر وممكن، أمّا الدم فلا أحد قادر على احتمال كلفته ولا المساومة عليه أو بيعه أو هدره.

الأردن يدير العلاقة مع الازمة السورية من الزاوية الانسانية، وهناك زوايا لوجستية وفنية ليس هنا محل ذكرها، غير أن اسوأ ما يمكن ان يتوقعه البعض من الاردن هو الزج بأبنائه في المستنقع السوري عبر ارسال جنود او انتظار «كيماويات الأسد» لتهطل علينا.

السيناريوهان يأخذان البلد الى ما هو اسوأ لأن التورط في المستنقع السوري سيؤدي الى ارسال جنازات وتوابيت عشرات الشباب الأردنيين الى السلط ومعان والكرك واربد وبقية المحافظات، وهو أمر لا تقدر عليه الدولة ولا تحتمل كلفته الاجتماعية ولا تقبله ايضاً.

لا يمكن الزج بأبناء البلد في هكذا محرقة قد تؤدي الى حرب كبرى، لأن التورط في الملف السوري امر مكلف ودموي ، والتورط ستكون كلفته مرتفعة جدا ولن يغطيها الدعم المالي العربي لأن دم الناس هنا أغلى من المال وليرسل العرب جندهم الشجعان عبر البحر الأبيض المتوسط لو أرادوا تحرير سورية وعلى حسابهم لا على حساب غيرهم!

مصر ارسلت جيشها إلى اليمن قبل اربعين عاما، ومازال الشعب المصري حتى يومنا هذا يلوم حكومته على ذلك.

هذا عنصر في السياسة الأردنية حتى الآن. الخشية ان تسعى اطراف الى فتح ثغرة في جدار التمنع الأردني عبر افتعال حوادث أمنية عند الحدود بأي شكل عبر اطلاق صواريخ من المناطق السورية باتجاه الاردن واتهام النظام السوري من اجل افتعال معركة وفتح ثغرة تأخذنا الى تورط اجباري في الملف السوري وللقول للناس إن الأمر لم يكن اختيارياً.

فوق ذلك فإن الأردن بدأ اصلا بدفع كلفة الوضع في سورية عبر تضرر كل المنطقة اقتصاديا وتأثر الاردن بتداعيات الهجرات الانسانية والتأثيرات السلبية جدا على صعيد النشاط التجاري، فما الذي يراد من الاردن دفعه ايضا حتى تتم مساعدته؟!.

هناك تصور دولي يقول: بما أن الأردن غير قادر حاليا على تغطية ادخال ابنائه في الملف السوري يمكن مرحليا الاستفادة من الجوار الاردني السوري بتحويل الحدود الى محطة دولية لوجستية تراقب وتجمع المعلومات وتستعد لساعة الصفر.

هذا التصور ايضا مربك لأنه يأتي بعد مناورات «الأسد المتأهب» وما يقال عن بقاء قوات من جنسيات متعددة في الاردن والافضل ألا يكون للاردن اي يد في الملف السوري ولا تحت اي غطاء عربي او لجنة اصدقاء سورية او عبر المجتمع الدولي.

تركيا ذاتها بدأت تتردد إزاء الملف السوري بعد ان اطلق نظام الأسد المارد الكردي في شمال سورية من محبسه بما أرعب الاتراك وهذا يقول ان معسكر «ايران العراق سورية» سيكون لديه خطط لتصدير جزء من أزمته الى الأردن ردا على اي محاولة للتدخل.

لكل هذه الأسباب وما خفي خلفها مما لا يقال فإن الأسلم للاردن ألا يتورط في الملف السوري ولا تحت اي تبرير بما في ذلك مبرر الرد على تحرشات السوريين ليس ضعفا بل لمنع الأذى الأكبر، أي جر البلد نحو ذات الازمة.

ليحذر كثيرون من الترويج لمشروع مقايضة بالمال، لأن الأردن لا يحتمل هكذا مقامرة.