لا يخلو جمع مقالات كتاب الصحافة السياسيين في «صحيفة حائط» واحدة من دلالة..
ويختلف الناقدون في تبين هذه الدلالة، فيذهب بعضهم الى انها توكيد لمعنى «حوار الطرشان» حيث تذهب الاصوات في مسارات متقاطعة، وحيث يكون لكل وجهة هو موليها، سواء أكان ذلك بدفع ذاتي ام بابتعاث مبتعث قد نعلمه وقد لا نعلمه..
ويذهب آخرون الى ان الحكمة في ذلك متعلقة بامكان ان يضرب القارئ الذكي صفحاً عن كل ما قد يعتقده لغواً من اللغو، فيطوي صفحته دفعة واحدة، وينصرف الى ما يراه لائقاً باحترام عقله ووقته في آن..
ويذهب فريق ثالث الى ان ما يبدو جمعاً للمتناقضات في حيز محصور ربما كان سبيلاً الى ادراك ما بينها مِنْ «موافقات» خفية تشي بعبقرية «مخرج» غير منظور، وبأن لظاهر ما هنالك باطناً يرجع اليه..
ويذهب غير هؤلاء الى أن الأمر أشبه شيء بكراسة تنطوي على مجموعة من الفواتير التي تتفاوت قيمها وتتباين جهات تحصيلها، وان بعض هذه الفواتير تذهب الى اكثر من جهة، فيما قد يعتبر دليلاً على ألمعية محرّريها وقدرتهم على الرقص على حبال عدة في وقت واحد..
ونحن في الحقيقة لا نحب ان يكون ما يقوله هؤلاء النقاد على اختلافهم صحيحاً، او على أي قدر من الصواب، لأن معنى ذلك منبئ بفساد عريض متطاول العهد، وبخراب مُتكثّر الظواهر لا يُرجى ان يكون صلاح حال بعده، وذلك ما لا نُسلّم به وما لا ينتهي النظر الموضوعي اليه..
ولقد يكون لنا ان نأتي المسألة من جانب آخر ذي صلة بالجانب المعرفي والجانب الاخلاقي معاً، اذ «المعرفة» لن يكون لها سُلطة على الحقيقة ما لم تكن مشفوعة بالاخلاق، وهي ان عريت منها لا تعدو ان تكون «مهارة» او «شطارة» برسم البيع لمن يشتري، وما اكثر المشترين..
وعلى ما قد نستقر عنده من اعتقاد في هذه القضية الشائكة حقاً، فان واقع الكتابة السياسية في بلادنا بالغ الهلهلة على نحو شديد الزراية، وأن علينا أن نعيد النظر فيه جملة وتفصيلاً في سياق ما ننادي به من «إصلاح»، فقد بلغ سيل فساده الزُّبى واتسع خرقه على الراتق، واصبح أمره فُرُطاً..