الثانوية العامة ما بين الإنتصار والهزيمة

بعد سنوات الإنتظار وبعد الحنين لتحقيق الإنتصار ، جاءت المرحلة التي ستحدّد المصير بما تشتمل بين طيّاتها من مفاجآت وأحلام ، فإمّا النّجاة من تيّار الحاقدين والسّير بسلام نحو تحقيق الأهداف وإنجاز الآمال ، أو البقاء في صراع مع النّفس قبل الآخرين عن الأسباب التي أدّت إلى تحقيق الإنهزام والغرق في محيط دامس سحيق ، إنّها سنة الثّانوية العامة ( التوجيهي ) التي سيترتب عليها طريق البناء والتطوير. 

ستعلن نتائج الثّانوية العامة عمّا قريب ، فناجح مسرور ، وراسب محزون ، أو قد يكون ناجح مغموم بما نال من درجات لم ترقى إلى المستوى المطلوب ، حيث التمني والطموح ، وما تضمنته خطة الحياة التي خطّ في خياله ، وما نظم في أشعاره ، وما دار في وجدانه . 

مهما كانت النتيجة فإنّي أدعوكم إلى الفرح والسرور ، والشعور بلذة في بلوغ الغايات وتحقيق الرّغبات ، فالخير قادم بما تحقّق ، فالغيب لا يعلمه إلا علّام الغيوب ، الذي قدّر عليك ما حصدت بعد أن قمت بالزراعة والإعتاء فهو الجدّ والإجتهاد .
إن كانت نتيجتك كما تتمنى فتكون عندها قد حقّقت انتصارا عظيما ، وصعدت إلى الجبال الشّاهقات ، مبتدئا مشواراً جديدا في تاريخ الحياة , فعندئذٍ الشّعور بالرّاحة, والطمأنينة على واقع الحال . وبذلك تصل إلى الطريق المستقيم الذي سيحقّق الآمال ويعمل على إنجاز الأهداف .
وإن كنت ناجحا بنتيجة أقلّ ممّا تريد ، فعندها أنصحك باليقين بأنّ الخير قادم بما تحقّق وليس بما كنت تعتقد من بلوغ عظيم !
أمّا إن كنت في تعداد الرّاسبين فهذا لا يدعو إلى اليأس والإحباط ، فلتعلم أن لا مستحيل ، فإن لم تفلح في هذه المرة فإنّ الحياة لن تنتهي ولن تتوقّف ، بل المسيرة في تقدّم ونماء ، فاجعل من الهزيمة التي تحققت بهذا الزّمان سبب إلى تحقيق النجاح والتفوّق والإنتصار ، فما زال بالوقت متسع وانتظار ، فاجعل مما حصدت بوابة لبلوغ الغايات وتحقيق الطموحات .
الذّكاء والقدرة على النّجاح و المهارات العقلية أمور موجودة لدى الجميع ، ولكنّ الإختلاف بالنسبة التي يبلغها كل فرد مقارنة بغيره من الأفراد ، وهذا شيء طبيعي ومتوفّر في كل المجتمعات ، وبإمكان الجميع العمل على تنمية هذه القدرات والإستعدادات.
إنّ الذي يختلف بين الأفراد ويكون مدعاة إلى البحث وإجراء البحوث والدّراسات قد يكون مقدار الثّقة التي يبلغها الأفراد ، فالثّقة بالنّفس من أبرز العوامل الدافعة إلى بلوغ المُرَام ، إضافة إلى الأهداف الموضوعة بما تتضمّن من آمال وتطلعات تكون مدعاة إلى وجوب العزيمة والإصرار لإدراك الغايات .
عند إعلان النتائح توجّه إلى الله – عزّ وجل - بالحمد على ما أنت به من واقع الحال ، فقد يسّر لك الأفضل والخير ، وما به تحقيق لسعادتك الأبديّة .
فأنت لا تدرك سوى الواقع القريب ، وما هو بعيد عن عينك ومجال إدراكك , فهو في الغيب دفين ولن تعلمه إلا عند الوصول إليه ، فليكن وصولك بثقة أنّ الأفضل تحقق . فلا تندم على ما فات ومضى من زمان ، بل كن حريصا على ما تبقى من أيّام ، فكن ذو همّة عالية ، وذو عزيمة قوية ، تبلغ المراد مهما عظُم وازداد.
وهذه دعوة إلى الأهل بوجوب تقبلّهم للواقع ، وعدم التذمر والتأنيب ، فالذي حصل لا يمكن إرجاعة ، بل علينا أن نقوم بالتّشجيع ، فمشوار الحياة يبدأ في هذه اللحظات ، فليست النّهاية والإنغلاق ، ولنكن داعين إلى ما فيه الخير والتحفيز ، ولنحرص على ألّا نكون من المثبطين للهمم العاملين على التهشيم والتّحطيم.
يوم إعلان النتائج يوم غِبطة وابتهاج ، فهم جيل جديد من بناة الوطن وفرسانه ، الذين سيكون لهم أثر بما سينالون من علم ومعرفة على التحسين والتطوير ، فدائما نقول أنّ نفط الأردن بعقول أبنائه وبما يحوي من عنصر بشريّ متميّز ذو إمكانات واسعة ، وطموحات لا تعرف للحدود طريقا ، ولا تقيّدها صعوبات وتحدّيات .
أنت جزء من المجتمع ، ولذلك فإنّ تصرفاتك يجب أن تتسم بالعقلانية ، وأن تبتعد عن العشوائية ، لأن الحرية محدودة عندما تمسّ حريّة الآخرين وتعمل على سلب حقوقهم ، فلنبقى على قدر كبير من المسؤولية المجتمعية ، وأن نعمل على احترام بعضنا لنصل إلى ما نصبو إليه من تحقيق حالة الوئام والإطمئنان .
من حقك الفرح ولكن ضمن حدود ، فسأقوم بالإشارة هنا إلى مواكب الفرح المشروعة التي تزدان بها شوارع المملكة من شمالها إلى جنوبها , فالإعتراض ليس على الموكب ؛ بل على الممارسات الخاطئة التي تمارس والتي أصبحت نهجا وعادة في السّلوك ، فإغلاق الشّوارع بهذه المواكب تصرّف غير أخلاقي ، فلنكن على قدر من المسؤولية تمكننا من النّجاة بذاتنا وبالتالي بالمجتمع ، فأنت كشخص لك تأثير كبير في عمليات الإصلاح والتغيير ؛ فابدأ بنفسك فأنت العظيم !
نبارك لجميع الطلبة الناجحين فهذا جرّاء ما صنعتم , وبفعل ما قدمتم . أمّا للرّاسبين فسأقول لهم بأنّ الوقت ما زال باتساع كبير بما أنّه بإمكانكم التعديل , فاجعلوا من الأمل عنوانا لكم ، وابحثوا عن أسباب هذا الفشل واعملوا على معالجتها ، فالحياة في استمرار حتى وان ضاقت بك الحال .
أنتم جميعا كوكبة الوطن الذي يفاخر بكم العالم ، فكونوا على قدر المسؤولية الرّامية إلى الإصلاح والتعديل .