الربيع العربي لا يستهدف الرؤساء العرب فقط ، انما هو موجه نحو الاستهداف الجائر للسلطة أي كان مستواها، وربما ان مقصده النهائي هو انتاج واقع يكون ضامنا للاستخدام الامثل للسلطة، وتوجيهها في خدمة الناس، لا حصر مكاسبها في الطبقة السياسية او المتنفذين ولذلك فهذا الربيع هو موجه في الأساس الى كل مستويات السلطة ومراتبها بدءا من الرؤساء وانتقالا الى مجالس الوزراء والوزراء والمديرين، وحتى رؤساء الاقسام، وكل موظف ينشأ عن موقعه نوع من السلطة الامنية او المدنية.
ذلك أن هذه المنظومة هي التي تسببت على خلفية الخلل في أدائها بالغضب الشعبي العارم الذي يكتنف المنطقة العربية اليوم، وادى الى مصرع، وفرار، وسجن، وتنحي عدد من الرؤساء ، وقد وجد الانسان العربي نفسه اسير هذه المستويات من السلطة التي انقلبت عليه، واصبح في حالة استجداء لخدمات الدولة التي تقوم على حساب ضرائبه وموارد الأرض حيث يعتبر المواطن مالكها على وجه المشاع.
و تعقدت مستويات المسؤولية في البلاد العربية، ولم يعد الانسان العربي قادرا على الوصول الى حقوقه المشروعة، وانعدمت العدالة وشاع الظلم، وتسرب الفساد الى كثير من مواقع القرار والنفوذ، ووصل الى حدود المسؤولية الدنيا فتحولت معيشة الناس الى معاناة بحد ذاتها، وتوحشت المؤسسات الرسمية، وغدت الواسطة الوسيلة الوحيدة في الحصول على الحقوق لمن يملكها، وهدرت كرامات الناس نظير التعالي عليهم بالسلطة، وطلب الهيبة من خلال اذلالهم ، وتعقيد مطالبهم وتحويلها الى ما يشبه الأحلام، وفقد المواطنون شعورهم الوطني، وتحولت بلادهم الى سجون، ومستوطنات للكبت والحرمان، ورافق ذلك الخوف من انتقاد الاوضاع فسادت حالة من الاحتقان كانت قابلة للانفجار مع اية فرصة، حتى وقع الزلزال الذي ما تزال ارتدادته تضرب في كل انحاء المنطقة، والذي فشلت في ان توقفه كل المنظومة الامنية العربية، ووقفت عاجزة عن التنبأ به، وبحجمه، والمناطق التي قد يستهدفها.
توجه الغضب الشعبي الى الرؤساء باعتبارهم المسؤولين مباشرة عن تردي الاوضاع الا ان المنظومة التي ادت الى الانفجار هي التي تحتاج لتغيير جذري، وما تزال قائمة في مفهوم السلطة التقليدي ، والذي يحتاج لمراجعة واعادة الاعتبار للمواطن باعتباره مصدر السلطة، وان المؤسسات تقوم على خدمته، ولا تستعبده، وتسوف ازاء مطالبه الاساسية، وهذا يقتضي اشاعة ثقافة جديدة في المؤسسات قوامها ان السلطة في خدمة الشعب، وان المسؤول والموظف خادم للمواطن وفق احكام القانون، ودور السلطة ينحصر في اعادة توزيع الحقوق على المواطنين، وليس الاستيلاء عليها لصالح الخاصة، وتحويلهم - أي المواطنين- الى طبقة كبيرة من الفقراء والمحرومين تكون قابلة للانفجار، وما ينتج عن ذلك من تدمير مراكز القرار والحكم وملحقاته من الاجهزة الامنية. رئيس الدولة يخدم شعبه من خلال موقعه، ورئيس الوزراء لا يحق له التعالي على الناس، او القبول بتضييع حقوقهم، والوزير ليس من حقه ان يغلق بابه، وان يصم آذانه عن شكاوى المواطنين، والمدير يجب ان يتوقف عن استغلال نفوذه في خدمة الاصدقاء والشلل، والمحافظ عليه ان يتخلى عن نزعته الفوقية، واشعار المراجعين بالدونية، وعدم افساح مجلسه سوى للكبراء، والموظف لا يليق به ان يعطل معاملة المواطن، ويعقد المسألة كي يبتزه او حتى تتدخل واسطة، وكل موقع في الدولة منوط به مهام، وكل مؤسسة تؤدي واجبات، ومن الواجب مراقبتها، ووضعها في خدمة الشعب لانتزاع فتيل الانفجار من دواخله، وكيلا تتحمل جهة سياسية وحدها المسؤولية دفعة واحدة عند وقت الحساب.
الربيع العربي درس لترشيد السلطة، وضبط دورها في خدمة المواطن، والتخلص من نزعة الاستبداد، والاستخدام الجائر لها، وبناء منظومة كافية لتحقيق العدالة وبذلك يحدث الاستقرار، ويكون ربيعنا العربي اخضر.