كثر الحديث ليس في الآونة الأخيرة بل منذ أن بدأت احتجاجات ما يسمى «الربيع العربي» عن :»صاحب القرار ومركز القرار وصانع القرار» في الإشارة الى أن كل الأمور في هذا البلد في يد جلالة الملك وكأنه لا توجد لا سلطة تشريعية ولا سلطة قضائية ولا سلطة تنفيذية.. وذلك إن كان بعض هذا يصدر عن حسن نية وعن عفوية لا أبعاد سياسية لها بينما بعضه الآخر مقصود وهدفه تحميل جلالته مسؤولية كل صغيرة وكل كبيرة من خطأ ارتكبه موظف صغير في إحدى المحافظات ومشاجرة بين طلبة إحدى المدارس او إحدى الجامعات الى انقطاع المياه عن قرية من القرى أو وقوع حادث سيرٍ على طريق من الطرق الداخلية أو الخارجية.
ولعل الذين يحشرون اسم جلالته في كل صغيرة وكبيرة، إن عن قصد وسوء نية وإن بعفوية وبدون التدقيق في الأمور، لا يعرفون أن هناك نصوصاً دستورية تقول :»تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وتناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك والسلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها وتُصدر الأحكام وفق القانون باسم الملك وأوامر الملك الشفوية أو الخطية لا تخلي الوزراء من مسؤوليتهم».
جميل أن ينظر الأردنيون الى جلالة الملك على أنه الأب والأخ الأكبر وكبير القوم وشيخ كل العشائر والقبائل والعائلات الأردنية وحادي الرَّكب أما أن تبقى فئة معينة تركز، وعلى الطالع والنازل، على :»صاحب القرار ومركز القرار وصانع القرار» فإن هذا لا يدل على حسن نية على الإطلاق وإن هذه الفئة تسعى لتصوير بلدنا وكأنه إقطاعية لشخص واحد وأنه لا قيمة ولا دوراً لا للدستور ولا لكل هذه القوانين النافذة وأنه لا رأي فيه لصاحب رأي وكأن هذا البلد إحدى جمهوريات الموز وكأن نظامنا احد انظمة الانقلابات العسكرية التي لا قرار فيها وبالنسبة لكل صغيرة وكبيرة إلا قرار صانع القرار الذي هو الزعيم الأوحد ومبعوث العناية الإلهية.
ينسب الى عمر الخطاب رضي الله عنه أنه قال :»والله لو أن بغلة عثرت في نبيط العراق لكان عمر مسؤولاً عنها» ولقد كان هذا قبل نحو ألف وخمسمئة عام وكان المقصود هو أن أمير المؤمنين مسؤول أمام الله عزَّ وجل أمام كل أبناء رعيته وكل هذا بينما الولاة وقادة الجيوش المنتشرون في أربع رياح الأرض يديرون أمور الدولة وفقاً للصيغ العامة المتفق عليها ووفقاً لمبادراتهم واجتهاداتهم وأنهم لا يرجعون الى الخليفة إلا في الأمور الكبرى ومن بينها إرسال الجيوش وراء البحار والمباشرة بحرب مع إحدى دول الجوار و»تعليق» فرضٍ من الفروض الإسلامية لأمر طارئ ومسألة قاهرة.
أما بالنسبة إلينا في المملكة الأرنية الهاشمية فإن هناك محددات لممارسة السلطة وصنع القرارات وكيفية تنفيذها واضحة كل الوضوح إن في النصوص الدستورية المتعلقة بالسلطة التنفيذية أو القضائية أو التشريعية وبأوامر الملك الشفوية أو الخطية وبالقوانين النافذة ولذلك فإن كل هذا الذي يقال إن بحسن نية أو سوء نية هو إظهار لبلدنا وكأنه يخضع لنظام ديكتاتوري كل القرارات فيه لشخص واحد وكل مؤسساته هي مجرد أشكالٍ وهمية وهذا استهداف واضح وإساءة لابد من وضع حدٍّ لها بوضع كل الامور في أنصبتها وبحيث يتم تحميل كل مسؤولٍ مسؤوليته.
لا شك في أن هناك قرارات وفقاً لنصوص الدستور هي لجلالة الملك وحده إن في الحرب وإن في السلم لكن أن نسمع ونقرأ يومياً الكثير من تحميل جلالته كل صغيرة وكبيرة والإكثار من استخدام مصطلح صاحب القرار وصانع القرار فإن هذا غير جائز على الإطلاق ويجب وضع حدٍّ له لأن بعض مستخدمي هذا المصطلح ينطلقون من سوء نية ويسعون لإلقاء مسؤولية أي خطأ يقع فيه أي مسؤول على كاهل صاحب الجلالة المحددة مسؤولياته في الدستور والذي يشاركه مجلس الأمة في الأمور والقرارات التشريعية وتقتصر مسؤوليته بالنسبة للقضاء على مجرد صدور الأحكام باسمه بينما هو يتولى السلطة التنفيذية بواسطة وزرائه الذين لا تخليهم اوامره الشفوية والخطية من مسؤوليتهم.