الإدارة الأردنية بشقيها الاقتصادي والسياسي تثبت من خلال عودتها إلى الارتهان بسياسات صندوق النقد الدولي أنها إدارة تفشل باجتراح الحلول، وأنه لا مفر لها من الاعتماد على الخارج.
انتهينا من صندوق النقد وتكيفه الهيكلي عام 2004، ولكن منذ ذلك الحين نزلت علينا بالبارشوت قوة نيوليبرالية أدارت الاقتصاد على أسوء ما يكون، فأوصلتنا إلى حافة الانهيار.
بمعنى أنه كانت أمامنا فرصة إدارة الاقتصاد الوطني بسواعد وخطة ذاتية، لكن ما جرى كان بعيدا عن الشفافية وعن الرقابة، ولم تواكبه إصلاحات سياسية تعمق المحاسبة وتقدم الأكفأ، فكان ما كان.
هنا جاءت أصوات وتبلورت قناعات بأن العودة إلى صندوق النقد الدولي أفضل من الاستقلالية، وذلك وفق مقاربة غير عادلة تقارن بين خيارين لا ثالث لهما (التبعية للصندوق، أو لصوص أداروا البلد).
الصندوق سيمنح الأردن مليارين، وهو رقم كبير يدل بوضوح على حجم عمق أزمتنا الاقتصادية من ناحية، وعلى رغبة الخارج الأمريكي بعدم انهيار الاقتصاد الأردني.
لكن في المقابل ستزيد مديونيتنا، وستتعاظم أرقام خدمة الدين، ناهيك عن عمل سيفرضه الصندوق علينا من إصلاحات خالية من أبعادها الاجتماعية، وهنا نحذر من تفاقم الاحتقان والغضب الشعبي، وإن أخرته الدفعة المالية المجزية.
لكن السؤال: لماذا تهرب الدولة إلى صندوق النقد والبنك الدولي؟ أليس هناك من بدائل أخرى يمكن لها أن تخفف من وطأة أزمتنا المالية والاقتصادية؟ .
ألم تفكر الدولة ومطبخ القرار بتبعات ما سيفرضه الصندوق علينا من حزمة إجراءات متعلقة برفع الدعم؛ وبالتالي الدخول في صدام مع فقراء المجتمع وهم كثر؟ .
أسوء ما في هذه الاتفاقية أنها تبرم في عهد حكومة فايز الطراونة المتصلب، والرافض لرؤية الأزمات وتعريفها كما هي، كما أنه بالصندوق وغيره عازم على رفع الدعم، وإدخال الناس تحت فقر اللزوم والجبر.
ألم يكن بالإمكان تجاوز الحاجة إلى الصندوق، لو أننا أنتجنا إصلاحاً شاملاً سياسياً عميقاً يقدم الأكفأ، ويراقب الإدارة، ويمنع الفساد، وينال صبر الجمهور؟ .
الذهاب إلى الاستعانة بصديق لا يرحم كصندوق النقد والبنك الدوليين، يثبت أن من يدير البلد لا يملك أن يدير إلا بقدر ذهابه نحو الاستعانة بالخارج، وهذا لعمري هو عين الفشل ومبرر الاستقالة ليديرها آخرون.