مهزلة المناورات لمقاطعة الانتخابات!

المتابعون لما يحدث في مصر يقرأون العناوين الأساسية التي تؤشر على نمط الحكم الذي يفهمه دُعاة الإسلام السياسي، فالدولة بكل مفاصلها ستكون هبة خالصة لمن يدينون لهم بالسمع والطاعة والتبعية، دون اعتبار للتجربة والخبرة والحنكة السياسية ذات الصلة، وقد أصبح واضحاً دون لبس أن المضمون السياسي، في الشعارات الدينية المستخدمة، قابل للتعديل والتبديل والمقايضة في سبيل الوصول إلى السلطة والإمساك بتلابيبها إلى الأبد، ولنأخذ من حركات الدين المُسيَّس أمثلة باتت معروفة لدى أبسط الناس، فقد استندت هذه الحركات، عند نشوئها في مصر، إلى أفكار دعوية محضة هدفها ـ كما زعموا ـ تصويب الانحرافات الدينية والأخلاقية التي حدثت في عصر الانفتاح على الغرب والتقليد الشامل للثقافة الأوروبية، لكنها فجأة انقلبت للعمل السياسي بعنف بعد استغلال البريطانيين لفكرة الخلافة الإسلامية التي ألغاها الزعيم التركي «مصطفى كمال» عام 1925م، وتشجيعهم للتيارات السلفية على إحياء هذه الفكرة المنقرضة، لزرع الانشقاق بين دُعاة التحرر من الاستعمار وإبعادهم عن المظاهرات والاحتجاجات اليومية وتشكيل المنظمات المسلحة لطرد القوى الأجنبية المهيمنة آنذاك، ففي الاجتماع الذي عقده السفير البريطاني مع رئيس الوزراء المصري «أمين عثمان باشا» يوم 18 أيار 1942م، أوصى السفير حرفياً، كما جاء في الوثائق، : «بضرورة دعم التيارات السلفية ورعايتها وتقديم المساعدات الضرورية لها»!، الأمر الذي عزز الشكوك، فيما بعد، حول استخدام المخابرات البريطانية لتيار إسلامي معروف في محاولة اغتيال «عبد الناصر» الفاشلة التي تم تنفيذها في السادس والعشرين من شباط عام 1954م، أثناء خطابه الشهير لإعلان الجلاء البريطاني عن مصر!.


أما المثال الآخر الأكثر إثارة للعجب، فهو المتعلق بمعاهدة كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979م، فمنذ يوم توقيعها إلى ما قبل الثورة المصرية الأخيرة، والتيارات الإسلامية في مصر والعالم العربي تصم آذاننا وتردد على مسامعنا ليل نهار أن ما حدث كان خيانة عظمى ووصمة عار تنبغي إزالتها بالجهاد المقدس!، وقد هيَّأوا الأجواء النفسية آنذاك وشحنوها بالغضب الذي أدى لاغتيال الرئيس المصري «أنور السادات» يوم السادس من أكتوبر عام 1981م، ولننظر ونتأمل ما يحدث بعد أن تولَّت القوى الإسلامية الحكم في مصر، ففي الخامس من كانون الثاني الماضي أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية «فيكتوريا نولاند» أن القوى الإسلامية التي باشرت الحكم، قدَّمت للولايات المتحدة ضمانات قطعية لاحترام معاهدة كامب ديفيد! وقالت المتحدثة للصحافيين:«قطعوا تعهدات لنا بهذا الشأن»، فلنتأمل ذلك؟!، ونتذكر أنهم، إلى ما قبل شهرين، وقبل إعلان الموقف المصري الجديد من معاهدة كامب ديفيد، كانوا يطالبون الأردن في كل مسيرة واحتجاج، بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، أفبعد كل هذا الذي تكشَّف من مواقف انتهازية وضحك على الذقون تمارسه التيارات العقائدية المتطرفة إسلامية أو يسارية يبقى مجال للخداع والتضليل؟! من غير شك أن مقاطعة هذه التيارات للانتخابات النيابية في الأردن لن تجدي نفعاً، وستضعها في زاوية المواجهة الخاسرة مع الأغلبية الأردنية الواعية التي شقَّت طريقها الخاص بالإصلاح وفقاً لظروفها الموضوعية الخاصة وانسجاماً مع ألوان طيفها الوطني.