نعم للمشاركة في التسجيل.. ونعم للإدلاء بأوراق بيضاء في الانتخابات القادمة

أحسنت الحركة الإسلامية بموقفها القائل بفصل موضوع تسجيل الناخبين واستخراج البطاقة الانتخابية عن موقفها العام الداعي إلى مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة ترشيحاً واقتراعاً. ونتمنى أن تثبت الحركة على هذا الموقف، خاصة وأن تصريح الشيخ حمزة منصور، أمين عام حزب جبهة العمل الاسلامي (صحف 28/7/2012) لم يكن قاطعاً على هذا الصعيد، حيث أفاد بأن موضوع التسجيل في الانتخابات ربما يخضع للدراسة في الاجتماعات المقبلة لمكتب الجبهة.

والواقع أن الثقافة السياسية والانتخابية في بلدنا لا تتمتع بالرهافة اللازمة، حيث تميل معظم الأحزاب والحركات السياسية الأردنية إلى المواقف المطلقة، فهي إما أن تكون مع المشاركة أو تكون مع المقاطعة، دون الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الدقيقة بين حق التسجيل والحصول على البطاقة الانتخابية وبين استعمال هذا الحق، مشاركة أو مقاطعة.

ولما كانت المواقف المعلنة لقادة الحركة الاسلامية لم تحسم نهائياً في هذا الأمر، حيث ذهبت إلى حد "إجازة" التسجيل والحصول على البطاقة الانتخابية، واعتبرت أن ذلك لا يعني خرقاً لقرار المقاطعة، كما صرح بذلك السيد زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين، أو أنها تركت الباب مفتوحاً للدراسة من جانب الهيئات القيادية للجماعة وحزب جبهة العمل الاسلامي، كما أفاد تصريح الشيخ حمزة منصور المشار إليه آنفاً، فإني أدعو الحركة الاسلامية، وكل القوى والاحزاب التي اعلنت مقاطعتها للانتخابات الى اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة لصالح تشجيع اعضائها وعموم المواطنين على الاقبال على التسجيل في قوائم الناخبين وعدم التردد في استخراج بطاقتهم الانتخابية، بصرف النظر عن الموقف المقاطع للانتخابات، وبالتالي عدم الاكتفاء بالموقف المعلن الذي يقول "بجواز" التسجيل والحصول على البطاقة الانتخابية.

ومع أني اشارك الاسلاميين موقفهم الرافض لقانون الانتخاب الاخير، ولا اختلف معهم في الدعوة الى مقاطعة الانتخابات المقبلة، اذا ما جرت على اساس هذا القانون، بل وأشاطرهم القناعة بان المشاركة من عدمها لا تتوقف عند تعديل هنا او هناك في قانون الانتخاب، بل تتطلب اكثر من ذلك خطوات اصلاحية متكاملة تخلق بيئة سياسية جديدة، تسمح بتحقيق نقلة نوعية في النظام السياسي، وتضعه على سكة الاصلاح الديمقراطي الحقيقي، لكن رغم مشاطرتي لهم بهذه القناعات فإني على ثقة بأن تشجيع الاسلاميين والاحزاب والتيارات السياسية الاخرى على توسيع قاعدة الناخبين المسجلين، وتشجيع المواطنين على الحصول على بطاقتهم الانتخابية تندرج في إطار المسؤوليات العامة لهذه القوى، والتي تتطلب منها تمكين المواطنين من حقوقهم الدستورية وتأهيلهم لممارسة هذه الحقوق، ومنها أيضاً أن يكونوا جزءاً فاعلاً من الهيئة الناخبة، بصرف النظر عما اذا كانوا سيشاركون في الانتخابات القادمة ام لا.

وغني عن البيان ان الموقف الايجابي من التسجيل والحصول على البطاقة الانتخابية، بل والعمل على تشجيع ومساعدة المواطنين على استكمال اهليتهم كناخبين، سوف يعزز ثقل المقاطعة للانتخابات، إذا ما جرت على أساس القانون الحالي، ذلك انه كلما زاد عدد الناخبين المؤهلين (المسجلين والحاصلين على بطاقة انتخابية) فإن ذلك سوف يصعب على الحكومة فرصة الحصول على معدلات مشاركة مقبولة، على أساس هذا القانون، وسوف يعطي زخماً اكبر لوزن المقاطعين للانتخابات.

ومن ناحية اخرى فإن من مسؤوليات الحركة الاسلامية والقوى والاحزاب المعارضة تطوير ثقافة وممارسات جماهيرها من الناخبين، من خلال تحويل قرارها بالمقاطعة (اذا لم يتغير القانون والبيئة العامة للانتخابات) من ممارسة سلبية وكسولة، تتمثل في تشجيعها على ملازمة بيوتها وعدم الذهاب الى مراكز الاقتراع، الى ممارسة سياسية ايجابية، عن طريق حثها على الذهاب الى مراكز الاقتراع والادلاء بورقة بيضاء، اي ورقة إقتراع بدون أسماء المرشحين. فهذه الممارسة الايجابية هي التي تنمي الثقافة السياسية للمواطنين، والتي تجعل من قرار المقاطعة او المشاركة خياراً سياسياً رفيع المستوى، ويضع مؤشرات ملموسة قابلة للقياس لأوزان القوى المقاطعة.

صحيح ان ترجمة قرارات المقاطعة من خلال الدعوة الى ملازمة المواطنين لبيوتهم يوم الاقتراع، هي الاسهل والاقل جهداً. لكن صدقية المقاطعة سوف تشوبها الشكوك في ظل هيمنة ثقافة "الكسل السياسي" على المجتمع لعدة عقود سابقة، والتي تتجلى في إحجام نسبة هامة من الناخبين عن الذهاب الى صناديق الاقتراع لأسباب متنوعة، ربما أبرزها عدم الايمان بقدرة قوتهم الصوتية على التأثير في نتائج الانتخابات وفي وصول الافضل الى مجلس النواب، بل وعدم الايمان بقدرة مجلس النواب نفسه على إحداث أي تأثير ايجابي في السياسات العامة.

من هنا فإنه إذا كانت الحركة الاسلامية والقوى والاحزاب المعارضة تؤمن فعلاً بدور الجماهير في صنع التغيير، وتعمل على تمكين المواطنين من اخذ حقوقهم المشروعة وممارستها بحرية، فإنه لابد من تدريبهم وبث الوعي في صفوفهم بضرورة امتلاك حقوقهم الانتخابية، من خلال التسجيل والحصول على البطاقة الانتخابية، ومن ثم حثها ومساعدتها على الذهاب الى صناديق الاقتراع للتصويت بورقة بيضاء، تاكيداً وممارسة لقناعتها بضرورة مقاطعة الانتخابات.
إذا ما اخذت الحركة الاسلامية والقوى المعارضة لقانون الانتخاب والمتطلعة للاصلاح الحقيقي والعميق، ولديمقراطية مستدامة، بهذا الخيار، فإنها سوف تكون قد قامت بأعظم حملة تنمية سياسية في تاريخ الاردن. واذا ما بذلت هذه القوى كل جهودها في هذا الاتجاه فسوف تنشأ، بنتيجة الانتخابات، اذا ما وقعت في اواخر العام، ثلاث كتل رئيسية ذات طابع جماهيري: كتلة المشاركين في الانتخابات، وتضم الذين سوف يتبعون السياسات الرسمية والقوى التقليدية التي تفرز عادة مجالس النواب، كتلة المقاطعين الفعالين، وهم الذين يدلون بأوراق بيضاء في صناديق الاقتراع، وأخيراً كتلة المحجمين عن المشاركة الانتخابية، وتضم اولئك الذي اعتادوا عدم ممارسة حقوقهم الانتخابية، إما لعدمية سياسية ترى ان لا دور لهم في حياة البلد، او لتقاعس مزمن عن ممارسة حقوق المواطنة وواجباتها.

ولا يسارونا الشك فإن الكتلة الأولى والثالثة سوف تكون اكبر حجماً من كتلة المشاركين بورقة بيضاء، او بالاحرى المقاطعين عن وعي وارادة سياسية. حيث ان الثقافة السياسية السائدة، والممارسات النمطية للقوى المعارضة لم تخلف تقاليد عمل سياسي منظم تترجم نفسها في حملات جماهيرية واسعة ومعقدة، محكمة التنظيم. لكن في المقابل فإن اكتساب هذه الخبرة ليس صعباً اذا ما توحدت ارادة القوى المعارضة وأحسنت تنظيم حملة المقاطعة عن طريق الادلاء باوراق بيضاء.

نقول هذا، على افتراض بقاء الاطار السياسي والقانوني للانتخابات المقبلة على حاله. أما اذا استجدت تغيرات ايجابية تسمح بتعديل مواقف القوى المقاطعة الى مواقف تقوم على المشاركة- وهو احتمال ضئيل- فإن انخراط الاسلاميين والقوى المعارضة في تشجيع المواطنين على التسجيل واستخراج بطاقتهم الانتخابية، سوف تقود الى نتائج ايجابية اكبر، الا وهي توسيع قاعدة هيئة الناخبين عموماً، وتشجيع المترددين والمستنكفين على ممارسة حقوقهم الدستورية والتأثير الايجابي في العملية الانتخابية القادمة.