من يستطيع ان يتذكر متى تعرّف إلى أول حبة فلافل؟ وكيف كان مذاق الحب الأول؟
أنا أذكرها جيدا، كانت حديث أهل القرية آنذاك، ابو فايز فتح مطعما ويبيع فلافل وحمصا، لم أكن أعرفهم، أعني ابو فايز والحمص والفلافل، وفوجئت بصراحة بمستوى بدانة فايز، كان طفلا ضخما، وكلها صور جديدة حينها في الذاكرة، وبعد أسابيع وربما أشهر، وصل الفلافل الى بيتنا، وكان أول لقاء بيني وبينها، ما أشهاها! لم يكن حبا من أول نظرة، فالمقدمات كثيرة ومثيرة وضخمة أحيانا، بحجم البؤس وبحجم فايز نفسه.. لا أعلم لماذا أسترجع كل تلك الذكريات حين تنفتح سيرة الفلافل.. حبة الفلافل هي الحب الأول بصراحة.
لماذا تذكرت قصتي الأولى مع شهية مثلها؟.. السبب ليس الصيام بالطبع، لأننا أمضينا دهورا ونحن صائمون عن كل شيء، لكن السبب خبر تناقلته وسائل إعلامنا حول قيام أحد الفنادق بصنع حبة فلافل، يزيد وزنها عن سبعين كيلو غراما! يعني « أثقل من الطفل البدين نفسه»، والقصة هنا ليست تثبيت المعلومة في ذاكرة ريفي مثلي، بل لتثبيتها في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، وقد صرح لوسائل الإعلام مسؤول من الفندق أنهم من خلال «هذه الحبّة» يسعون لتثبيت عروبية هذه المأكولات وعراقتها، وهو يعني بالطبع «شطب» رقم مسجل لصالح «مهرجان الطعام اليهودي»، حيث تم تسجيل رقم قياسي لصالح حبة فلافل لم يتجاوز وزنها 25 كيلو، يعني «فايز» أضخم..هو في الواقع وكل الأطفال في الدنيا وحدة القياس على موازين الجوع والبؤس والحرمان والطفولة المهدورة.
تم نشر بعض الصور لحفلة صنع حبة الفلافل العملاقة في الفندق، وظهر في الصور (ست اسطوانات غاز) موصولة «ببرابيش» وكلها مستخدمة لتسخين حوالي ثلث طن من زيت القلي، استخدموها «الشباب العشرة» لانضاج الحبة العملاقة ما غيرها..
في ظل ظروف اقتصادية صعبة على الفقراء والبؤساء، وفي شهر الخير والبركة والصيام، يكون الحديث قاسيا على الفقراء، الذين لا أبالغ حين أقول انهم لا يملكون أن يشتروا «أكمن حبة فلافل» لفطورهم، بخاصة أن الحبة الواحدة بلغت قرشين ونص، لكن هناك حديثا أكثر قسوة على الأردنيين متعلق بالمفارقات اللامفهومة في ظروف كهذه، حيث ذكرت «صنارة الدستور» شيئا عن أحد المسؤولين في مؤسسة تشجيع الاستثمار، يتضمن «التأفف والتبرم» من قلة السيولة، وأن حجمها في المؤسسة فقط نصف مليون، وهو رقم لا يكفي لسفرة ترويجية واحدة في الخارج! ولا أعلم بصراحة هل يمكن لتلك المؤسسة أن تستفيد بشكل أو بآخر من قصة حبة الفلافل الضخمة في تشجيع الاستثمار خلال رحلاتهم «الترويجية» بالجيم رجاء، هل يمكنهم الاستفادة منها ومن مبلغ نص مليون، لاقناع تاجر دولي للمخدرات او للمنشطات مثلا، أن يفتح مطعما عملاقا في الأردن، ويوزع أقراص فلافل و «فياجرا» أيضا للناس الطيبين؟!..
وهل يمكن لبلد مثل أمريكا أن تصنع أكبر قرص «فياجرا» وتدخل غينيس؟ ماذا سيقول حولها المشرف على العملية وأي هدف يريد تحقيقه غير غينيس؟!.. لا يتعلق الموضوع بتلك الرعشة بل هو استثماري ..لا شكّ.
حبة الفلافل أثارت في ذاكرتي مكامن حزن وحب قديمين، لأنها الحب الأول، وسقط في القصة أقراص أخرى كـ»الفياجرا»، وقرص آخر ينسجم مع السياق وهو «خد المعشوقة» الذي شبهه الشاعر والمغني بأنه «قرص جبنة.. يفطر عليه العاشق الصائم»، هي أقراص لها تأثير ما، كتأثير الفلافل على بطون البؤساء الخاوية..
وفي الجوع كل الجوع، لا نحتاج لغينيس ولا لحملات الترويج.. نحتاج فقط أن ترحموا الفقراء والبؤساء والعشاق الأنقياء..
و :»خدّه يا قرص الجبنة.. يفطر عليه الصايم..
و بالليل ياعيني.. بالليل»