الدور التركي على المكشوف

في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وبعد أول انتخابات ديمقراطية حقيقية شهدتها سورية بعد الإطاحة بالشيشكلي فازت المعارضة الوطنية بالأغلبية في البرلمان السوري مقابل خسارة مدوية للإسلاميين والليبراليين ،وفاز بعدها شكري القوتلي برئاسة الجمهورية في الانتخابات التي جرت داخل البرلمان لانتخاب الرئيس، كما كانت العادة آنذاك، وكان القوتلي يمثل البرجوازية الوطنية لأهل السنة في الشام.

وبسبب تاريخه الوطني واعتقاله سنوات عديدة من قبل الاستعمار العثماني ثم من قبل الاستعمار الفرنسي، رفض القوتلي أول مشروع للشرق الأوسط الاستعماري وهو مشروع (حلف بغداد) ، فصار هدفا لمؤامرة أمريكية - فرنسية - بريطانية - تركية- صهيونية - رجعية، ولم تكتف أطراف المؤامرة بشن حملة إعلامية واسعة ضده بل قامت بتدريب وتسليح جماعات معارضة نفذت العديد من التفجيرات وعمليات الاغتيال ضد مسؤولين مدنيين وعسكريين في الدولة.

أما اخطر الأدوار في هذه المؤامرة فقد أنيطت بالأتراك بدءا من تحضير تركيا لتلعب دور المركز الإسلامي السني وانتهاء بالتدخل العسكري واحتلال مناطق الحدود وقسم كبير من ادلب..

وكانت بدايات هذا الدور كف يد الجيش التركي عن دعم حزب الشعب العلماني والسماح لجماعة عدنان مندريس وجلال بايار الإسلامية بالعمل السياسي واجراء انتخابات برلمانية فازت فيها هذه الجماعة (بايار رئيسا للدولة ومندريس رئيسا للحكومة) كما غول واردوغان..

وقبل أن تمارس هذه المجموعة سلطاتها، كان عليها أن تدفع ثمن تسليمها السلطة، فسمحت للأمريكان بتأسيس اكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط هي قاعدة انجرليك (تساوي الدرع الصاروخي الأمريكي الحالي في تركيا).

وزجت كل قوتها السياسية والإعلامية والعسكرية ضد حكم القوتلي في دمشق وسلمت المعابر الحدودية للمعارضة المسلحة وحاولت إعلان حكومة لهم من المناطق السورية المحتلة مستفيدة من تواطؤ معارضين للقوتلي من البرجوازية الحلبية المعروفة بارتباط مصالحها مع السوق التركي وحكومة نوري السعيد في العراق...

لكن حكم القوتلي بالتعاون مع جمال عبد الناصر في مصر وروسيا احبط هذه المؤامرة التي انتهت بعد سنوات مريرة من الحصار والخسائر إلى انقلاب عسكري أطاح بالثنائي مندريس - بايار واعدمهما شنقا، بعد أيام قليلة من تصريح مندريس بان ايام القوتلي معدودة وعليه الرحيل فورا..