ارتفاع غير مسبوق في معدلات الجريمة

في الأخبار أن الرعايا السعوديين في الأردن يفاوضون اللصوص لاستعادة سياراتهم المسروقة مقابل مبالغ مالية ضخمة والسفارة تتابع الظاهرة بقلق شديد.

الحقيقة أن المسالةما هيإلا واحدةمن فيض العلل التي حلتبالمؤسسة الأمنية، وأدت إلى انسحاب الشرطة من مناطق الحسينية واللبن ومعان والسامك والشونة الجنوبية وجبل الجوفه ،التي تقيم بها تلك العصابات المتمردة ،وترتكب جرائم المخدرات والسرقات وحيازة الأسلحة النارية ،وتعتدي على الناس جهارا نهارا بلا رقيب ولا حسيب ،وجهاز الأمن العام متوقف تماما عن ملاحقة الجناة، والمؤسف أن القيادات الأعلى تضع أصابعها في آذانها كلما جرى الحديث عن هذه الحقيقة ،وترفض الاعتراف بهذا الواقع المرير.

في تلك المناطق يجري ما يشبه الخيال. .يتدخل رئيس وزراء سابق لصالح كبار تجار المخدرات الفارين من وجه العدالة ،ويجري إطلاق سراحهم بلا عودة فور سماع المحكمة لأقوالهم، وبكل جرأة يطلب احد شيوخ العشائر من مدير الأمن العام وقف دخول الشرطة إلى منطقة نفوذه، ويبلغه بأنه سوف يتولى تامين طلبات المركز الأمني بنفسه ،وفي مكان آخر تجمهرت القبيلة واتكأ احد المجرمين على سيارة شرطة ألنجده واخذ يحتسي البيرة دون ان يقال له ابتعد ..وفي وسط البلد وحول المسجد الحسيني الكبير ،والمناطق المجاورة له طردوا الشرطة ،وأصبحت المنطقة خاضعة لسيطرة الزعران، وبدعم وحماية نائب ديناميتي صاعق احتل أصحاب البسطات أجزاء كبيرة من الشوارع وأرصفة المشاة ،واجتمع مدير ألأمن العام بأحدي العصابات وتفاوض معهم، فيما تمكن مطلوبون في إحدى المناطق المذكورة من خطف رئيس المركز الأمني، واقتادوه لأحد ألاماكن وأملوا عليه شروطهم قبل إطلاق سراحه ،ومرت الواقعة وسط تكتم امني شديد، وفي معان أزال تجار المخدرات واللصوص الأكشاك الأمنية واحرقوا بعضها ،وغادر رجال البحث الجنائي ومكافحة المخدرات المدينة ،واستعانوا بزعماء العصابات لتولى القبض على المطلوبين وإحضارهم مقيدين الى مديرية الشرطة.

إلى هذا المستوى وصل تردى الأوضاع الأمنية، نتيجة مخطط مشبوه جري تنفيذ لإضعاف هيبة الدولة، وأدى إلى تقطيع جهاز الأمن العام إلى قطع صغيرة تحت ذريعة الحضارة والتطوير والتحديث ،وتم استنزاف اغلب الإمكانيات المادية والبشرية في مجالات أخرى تقع في اختصاص الوزارات والدوائر الحكومية الأخرى، كحماية الأسرة والبيئة وشرطة الأحداث وترخيص السيارات ومنح الاقامات للأجانب ومتابعة العمالة الوافدة وغيرها مما لا يمت لمكافحة الجريمة بصلة ،وقد أسيء فهم الأمن الناعم واستخدم استخداما خاطئا على هذا النحو.

تخلوا الشوارع والأحياء الآن من الدوريات المانعة للجريمة ،وتضاءلت جهود الملاحقة والضبط، وللعلم فقد كانت هذه الدوريات يقظة وفاعلة على الدوام ،وكان القادة يعاقبون أفراد الدورية إذا ما ارتكب المجرمون واللصوص جريمة خلال أوقات دورياتهم، وكانت إجراءات منع الجريمة قبل وقوعها تمثل محور العمل الشرطي الأصيل .

لا يجوز أن تقيم مديرية الأمن العام نفسها، وعليها تقبل النقد والاعتراف بالحقيقة ،فالدوائر المختصة بمكافحة الجريمة هزيلة ومفرغة ،والوضع الأمني سيء، وإحساس المواطن المباشر بتفشي الجريمة جعله لا يلتفت إلى التصريحات والبيانات الرسمية التي تبالغ بوصف حالة الطمأنينة والاستقرار ولا يثق بها، فالواقع يشير إلى غير ما تشير تلك التصريحات والبيانات .

تعاني مديرية الأمن العام من الإعياء منذ اندلاع التوتر الربيعي وتخشى الاحتكاك بالمجرمين، وشلت أزمة الداخل الطارئة القدرة على توفير الطمأنينة والاستقرار، وأتت على ما تبقى أدوات مكافحة الجريمة، وأصبحت معالجتها في ذيل الأولويات والاهتمامات ،وذهبت اغلب الجهود الأمنية باتجاه المسيرات وتغطية واجب الاحتجاجات التي لم تنقع منذ عام ونصف .

يتذمر القادة والمدراء ومرتباتهم من الإرهاق الجسديالشديد، ومن محاولة تحميلهم أكثر من بطيخة بيد واحدة ، ويشكون الضغوط النفسية التي لا تطاق نتيجة تردي ظروف العمل المتواصل التي لا ترحم ،وخفض الإجازات والاستراحات، وانقطاعهم عن عائلاهم ،وارتفعت في الآونة الأخيرة حالات الإصابة بالنوبات القلبية بشكل لافت بين كبار الضباط ،وهذه حقيقة ثابتة ثبوتا قطعيا وان نفتها مديرية الأمن العام.
هكذا وجد مدير الأمن العام الحالة الأمنية ،وهو يعي كل هذه الحقائق المزمنة ،ويدرك انه يكافح بلا جدوى لإعادة ضبط الأمن وتصويب الأوضاع ، وانه لن يستطيع لوحده إصلاح ما أفسده الدهر، فالمشكلة قديمة وتراكمية، واغلب الوقائع المذكورة إن لم يكن جميعها حدثت قبل تولية مسؤولية قيادة الجهاز، وهو يرى طريق الخلاص بوضوح تام ،لكنه عاجز عن سلوكها لأنهاخارج قدراته وإرادته ،وتحتاج إلى جهد وطني متكامل ودعم ملكي مباشر يضع حد لتدخلات الكبار.