بعد المقاطعة .. فاصل من الطعام الفاسد

مهما كانت قوة القوى السياسية المنادية بالمقاطعة مؤثرة، فإن الحل خرج من يدها، والرهان على التزام الحكومة بإجراء انتخابات دون محاولة لاسترضاء جهة ما على حساب احد. والتصويت هو معيار النجاح، وقدرة القوى السياسية المقاطعة على عدم التصويت، في مقابل الناس العاديين الذي لا يأبهون بعدد الأصوات التي تتاح لهم أو بمقولة النزاهة، فإنها ستعكس النتيجة وهي التي ستحسم الأمر.

التصويت وسيلة تقرير للاتفاق العام، والحفاظ عليه في المجتمع الديمقراطي الراسخ يكون في عهدة الأحزاب، وقوة التصويت في حالة الأردن لا تولد بدوافع حزبية او مدنية، وذلك مقتل دعاة المقاطعة، القوة التصويتية في الأردن محركاتها القبيلة والهوية والأصل والدين والعلاقات والوشائج والخدمات..ألخ كما الحال في اي مجتمع يدرج حديثا للديمقراطية وهذا الأمر قد يستغرق عقودا.

المقاطعة وسيلة متأخرة وتبدو فكرة بائسة لا تنتمي لعلم الديمقراطية، الديمقراطية جوهرها الصراع والاتفاق العام وصولا بالأمور عبر الأكثرية، الصراع لأجل الأفضل يأتي في صلب الديمقراطية، والديمقراطية لا تحظى أردنيا او عربيا بتعريف شعبي –وطني، وهي تتطلب وعيا بالتحديات والمكونات الممكن تطبيقها، ومقدار الوعي العام في أي مجتمع من المجتمعات يمكن قياسه بميزان صراع الأضداد والمتناقضات المطلق.

أي مقدمة عن عمل الحكومة لا تنفع هنا لإقناع الناس بالمشاركة أو عدمها، والمقاطعون يواجهون أيضا أزمة، أزمة تاثير على المجتمع الذي لا يملكونه وأزمة انتاج ثقة أكبر بهم من قبل الناس، فالإخوان قاعدتهم لم تتسع، والجبهة الوطنية للإصلاح، ملمومة من مجاميع مختلفة، مأزقها عدم وجود عمق شعبي او بيئة حاضنة، ويبقى التمسك برئيسها ما بقي البحث عن قائد من داخل النظام أو بنيته، وذلك سر الإقرار به، وهذا مقتل لأن أي معارض يجب أن يتمتع بتاريخ ومسار، ولا شرعية لمعارضة يقودها من يوصف بأنه ابن دولة ومن داخل الرحم، ذلك لا يحدث إلا في حالات نادرة لا تتوفر مببراتها لما نحن عليه اليوم، فالاردنيون لا يمنح أحدا شرعية لمعارضتهم.

الحكومة أيضا تواجه التحديات، العقلية السياسية غائبة عن تفكيرها، كان يفترض بعد ترتيب الملف الاقتصادي أن تنحو للسياسة أكثر، أن تحاور الجميع في الأطراف في ظل استمرار رحلة قانون الانتخاب والتحضير للانتخابات.

الحراك الشعبي تضرر، وكل يوم يولد جديد، والمأزق هنا في الحاضنة الاجتماعية التي ترفض الاستقواء على الدولة في لحظة صعبة، والتي ستذهب للتصويت بغض النظر عن اية جهة تدعو للمقاطعة.

المهم اليوم على ماذا يمكن أن نعترض، فالنواب القادمون الجدد، لن يختلفوا كثيرا عن الحاليين؟ يجب ان نتذكر ان مكافحة الفساد ما زالت في حالتها الدنيا، وتعيين الفاسدين ما زال ممكنا، وغياب العدالة الاجتماعية حقيقة، وتخلف المجتمع وفساد نخبه وإعلامه المرتهن بعضه لاسماء وجهات لا تدعو للمقاطعة بل تريد استمرار جريان فسادها.

هنا علينا ان نتذكر ان ثمة مقاطعة كانت دوما غير معلنة من طرف في المجتمع، لأنه اصلا لا يثق بالدولة، وهذا الذي كان يقبع في البيت في كل انتخابات سابقة، ولا يشارك. وأخيرا المهم من سيعد الوليمة بعد كل اجتماع للموالاة او المقاطعة ومن أين ستأتي الكنافة، كي لا تكون نتيجة المعادلة مجتمع فاسد+ تجار فاسدون= عدم مصداقية ومقاطعة موهومة.