الجدل في مصر حول المفاجأة التي فجّرها الرئيس المصري محمد مرسي، تكليف وزير الري هشام قنديل، ما يزال مستمراً وهو غير مرشح للتراجع في المدى المنظور وخصوصا عندما تُعلن اسماء حكومته هذا الاسبوع في ظل مقاطعة معلنة من احزاب لها تمثيل في مجلس الشعب وإن كان متواضعا مقارنة بما هو عليه حزب الاخوان المسلمين (الحرية والعدالة) والاحزاب السلفية (النور أكبرها) مثل الوفد والمصريين الاحرار وغيرهما، الذين اختاروا الجلوس في مقاعد المعارضة على المشاركة في حكومة يعكس تكليف قنديل رغبة واضحة من الاخوان المسلمين بالاستحواذ واستئثارهم تشكيل الحكومة العتيدة، التي لا يمكن وصفها بانها حكومة ائتلافية وخصوصا ان الرئيس مرسي لم يستشرهم بل هو تراجع عن وعده بتكليف شخصية مستقلة لها دور في الحياة السياسية او الاقتصادية، ما بالك ان هشام قنديل، لا خبرة له في أي من الملفات هذه، ناهيك عن تواضع اسهاماته خلال وجوده في وزارة الري وإن كان حاز على درجات علمية معتبرة في مجال الصرف الصحي الذي هو موضوع اطروحته الجامعية.
صحيح ان جزءاً من الجدل والتعليقات وردود الافعال التي حفلت بها وسائل الاعلام المصرية باجناسها المختلفة، انصّب على تحليل شخصية الرئيس المكلف والنبش في مسيرة حياته العملية القصيرة، كونه على ابواب الاربعينات، إلاّ انه (الجدل) اتخذ منحى آخر في اتجاه النبش عن مرجعيته التنظيمية وعمّا اذا كان «اخوانيا» ولكن في خلية نائمة وجيء به الان – وهو بلا تجربة سياسية – كي يكون واجهة وستارة للرجل الاخواني القوي الذي سيمسك بالملفات كافة وهو خيرت الشاطر، حيث ترشحه الشائعات الى منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ما يضمن له سيطرة كاملة على مفاصل الاقتصاد المصري..
أيّاً كانت التخمينات في شأن «إخوانية» رئيس الوزراء المكلف الذي يعني ان الجماعة قد سيطرت على السلطتين التشريعية (مجلس الشعب) والتنفيذية (الحكومة) اضافة الى منصب الرئيس الذي يستطيع توفير الغطاء لها رغم عدم وضوح «نوعية» الحكم في مصر في ظل غياب الدستور وفي ظل الجدل حول اللجنة التأسيسية التي انيط بها كتابة الدستور الجديد والتي تخضع «قانونيتها» الى سجال بين الرئاسة والمجلس العسكري والمحكمة الدستورية، فإن المشهد في مصر ضبابي.
من هنا تبدو حكاية وضع شاب متواضع الخبرة، على رأس اول حكومة اوعز الرئيس الاخواني تشكيلها وصَرْفُ النظر بل ادارة الظهر، لما كان تعهد به او ألمح اليه بانه سيتشاور مع الجميع من اجل تشكيل حكومة «ائتلافية» تشارك فيها شخصيات ذات تاريخ وحضور سياسي واقتصادي واجتماعي ونشطاء الثورة والمجتمع المدني والجمعيات النسائية ولا يغيب عنها بالطبع الاقباط ولكن في حضور يعكس الوحدة الوطنية الحقيقية وليس التمثيل الرمزي والشكلاني، لافتة ومثيرة للشكوك والريبة.
شيء من هذا لم يتحقق، بل ان اشارة الرئيس المكلف الى انه سيرأس حكومة «تكنوقراط» تثير المخاوف حول الاهداف الحقيقية التي تسعى الى تحقيقها جماعة الاخوان المسلمين من وراء مواصلة «نهج الاستئثار» الذي بدأته، منذ نكثها بوعودها عدم ترشيح اكثر من 30 - 40% من اعضاء مجلس الشعب كذلك في شأن عدم المنافسة على مقعد رئيس الجمهورية، ثم ما ان وصل مرسي حتى عادوا الى سيرتهم الأولى..
قد لا يكون هشام قنديل اخوانيا رغم لحيته واعترافه انه يميل لأفكارهم وكان مواظبا على حضور الدروس الدينية عندما كان في تونس (على ما اعترف شخصيا) الا ان هذه العضوية (الافتراضية) ستغدو تفصيلا مُملاّ، مقارنة بالفشل المتوقع الذي ستحصده حكومته في معالجتها للازمات المادية وما لحق بالاقتصاد المصري من اختلالات بنيوية عميقة جراء سياسات عصابة مبارك التي انحازت للاغنياء واصحاب رؤوس الاموال ووكلاء الماركات الأجنبية، والاكثر خطورة من كل ذلك ان يد هذه الحكومة ستُكّف عن ملف العلاقات الخارجية والدفاع، ما يمنح الاعتبار للسؤال الذي طرحه كثيرون: بماذا إذاً ستختلف حكومة هشام قنديل عن حكومتي عصام شرف وكمال الجنزوري؟
ثم.. متى ومَنْ هو الذي سيُطبّق «مشروع النهضة» الذي طرحته جماعة الإخوان المسلمين «ومرشحها» للرئاسة محمد مرسي.. على المصريين؟