يا «إخوان».. اتقوا الله!

ما بقي مستمراً بين «الإخوان المسلمين» وبين أكثر من خمس حكومات سابقة لم يكن حواراً ولا أخذاً وعطاء وليس البحث عن نقطة التقاء في منتصف الطريق بل هو محاولات إملاءٍ من طرف واحد هو الطرف الإخواني الذي بدأ التبشير بـ»الإصلاح والتغيير» بأن هدد أحد فرسانه الأشاوس بإعلان العصيان المدني في حين هدد غيره بالثبور وعظائم الأمور إن لم يتم «البصم» على بياض بالنسبة لإملاءات حزبهم و»جماعتهم» وكل هذا وكأن البلد سائبٌ ولا يوجد فيه إلاّ هم و»الحزبيات» المايكروسكوبية التي تساندهم.

وكان المفترض ألاّ يحاول هؤلاء «أن يأخذوا الدنيا غلاباً» فهم ليسوا وحدهم في هذا البلد وهناك أغلبية حقيقية تختلف معهم في ما يحاولون فرضه على البلاد والعباد بالتهديد والوعيد وهذه الأغلبية لديها استعداد أن تنزل الى الساحات العامة والشوارع لتستعرض قوتها السلمية كما بقوا هم يفعلونه على مدى نحو عامين كما كان المفترض ألاّ تبقى هذه «الجماعة» العاقلة الراشدة التي فيها قادة ومسؤولون لهم كل التقدير والإحترام تشن غارات دونكيشوتية على طواحين الهواء فهذا أسلوب بائس وقصير نظرٍ في العمل السياسي وبخاصة بالنسبة لظروف وأوضاع كظروف الأردن الذي لا يستطيعون الإنكار أنه فريد في اعتداله وتسامحه وطول باله في هذه المنطقة كلها.

لقد كان على «الإخوان» أن يشاركوا في كل جولات الحوار التي دعوا اليها، السرية منها والعلنية، ولقد كان عليهم بدل هذا الإستنكاف، الذي إذا كان يدل على شيء فإنه يدل على عدم الثقة بالنفس، أن يسْمعوا وانْ يُسمِّعوا وأن يدافعوا عن وجهة نظرهم بالكلمة الصادقة وبالتي هي أحسن أما التهديد والوعيد واستغلال ظروف إقليمية يعتقدون أنها غدت فاعلة بالنسبة لأوضاعنا الداخلية فإن هذا بالنتيجة سيؤدي الى عزلهم وسيجعل حلفاءهم يقتصرون على المتسولين سياسياً وعلى بعض الأحزاب المايكروسكوبية التي أعلنت مقاطعتها للإنتخابات «ترشُّحاً وانتخاباً» خوفاً من أن تنكشف حقيقة قوتها الجماهيرية الغفورة!!.

إن الإخوان المسلمين يعرفون، هذا إنْ هُمْ احتكموا الى الله في صدروهم، أن مبعث هذا الكلام ليس «الحرابة» ولا «المغالبة» ولا العداء والإستعداء بلْ هو الإنتقاد من موقع الحرص وإن هو من موقع المختلف والشعور بأن الحركة الإسلامية، إن هنا في الأردن وإن في مصر وفي كل مكان، إن هي بقيت تتصرف بهذه الطريقة البائدة فإنها ستنتهي الى ما انتهت اليه تجربة الإنقلابات العسكرية وأنها ستعيد تجربة أحزاب الحركة القومية التي ألحقت بهذه الأمة كل هذه الويلات التي ألحقتها بها وكانت النهاية هذا الذي نراه الآن في العراق وفي سوريا وفي اليمن.. وأيضاً.. أيضاً في الشقيقة الكبرى أرض الكنانة.

على «الإخوان» إذا أرادوا ألاّ يخسروا هذه المرحلة ويُخسِّروا معهم الأمة العربية كلها ألاّ يفعلوا ما كانت فعلته أحزاب الحركة القومية التي وصلت الى الحكم والتي بقيت تسعى إليه التي كانت تعتبر كل من ينتقدها ويخالفها في وجهة النظر عمل للإمبريالية والصهيونية العالمية ورجعيٌّ يجب أن يكون مأواه السجون والزنازين وتكون نهايته على أعواد المشانق.

لقد كان على هؤلاء أن يدركوا أن من يتصدى لقيادة حركة التاريخ أن يكون صدره واسعاً وأن يتعامل مع الذين يخالفونه الرأي بالأخذ والعطاء وألاّ يفوت أي دعوة للحوار طالما أنه مقتنع بوجهة نظره أما هذا الذي نراه ونسمعه فوالله إنه انتحار سياسي كانت قد مرت به أحزاب الحركة القومية إذْ هل يعقل أن من يرفع شعار «الإصلاح» تكون خطوته الأولى ودفعة واحدة التهديد بالعصيان المدني واتهام الآخرين دون أن يحاورهم وان يسمع وجهة نظرهم بأنهم «قوى الشد العكسي»!!.. في النهاية إنني أقول وسأبقى أقول :يا إخوان يا «إخواننا» إتقوا الله بهذا البلد وبأنفسكم.. كونوا إيجابيين ولا تكرروا ما فعلته أحزاب الحركة القومية.. التي خسرت وخسَّرت هذه الأمة مسيرة نصف قرن وأكثر!!.