الزعبي: اليورانيوم الأردني أوهام قد تكبد الخزينة 220 مليون خسائر سنوية

اخبار البلد_ يكشف الدكتور نضال الزعبي، في المقال التالي، الذي خص به "المستقبل العربي" أن الأوهام التي تداعب الخيال بشأن انتاج وبيع اليورانيوم من شأنها أن تكلف خزينة الدولة خسائر مالية مقدارها 220 مليون دينار سنويا..!

إلى نص المقال القيم، والجدير بأن يؤخذ بعين الإعتبار:

د. نضال الزعبي

تأتي اهمية مشروع استغلال اليورانيوم على انه المحور الاساس لدعم الاقتصاد وتمويل البرنامج النووي الاردني والذي من اجله أُسست هيئة مختصة عام 2008، حيث صرح رئيسها في حينه قائلاً "إن البرنامج النووي الأردني ينحصر في استغلال اليورانيوم لدعم الاقتصاد الوطني وتوفير مصدر اقتصادي رئيسي لتوليد الكهرباء وتحلية المياه في المملكة" .[1]

ومنذ أكثر من خمس سنوات والهيئة تؤكد على لسان رئيسها بأن مخزون اليورانيوم لدينا يتجاوز 80 الف طن من افضل الخامات ذات التراكيز الجيدة وبكميات تجارية مجدية ستدعم الخزينة وتمول بناء المفاعلات النووية وستحل أزمة الطاقة في الاردن، حيث تم تأكيد هذه المعلومات مئات المرات دون الاستناد الى حقائق او دراسات علمية ودون رقابة او حساب.[2و3]

إستجابت الحكومة لهذه الثروة المزعومة وقامت في عام 2007 بتأسيس شركة حكومية لليورانيوم "الشركة الاردنية لمصادر الطاقة" برأس مال قدره 100 مليون دينار صُنِفت على انها الذراع التجاري لهيئة الطاقة الذرية الاردنية، ولكن سُرعان ماتبين انها ذراع مشلوله يديرها ويحركها رئيس الهيئة، مما كبد الخزينة خسائر بالملايين، وكيف لا وهي خالية من أي خبيرٍ نووي أو مصدر دخلٍ مالي، مما دفع الحكومة لتغطية مصاريفها عاماً بعد عام منذ تأسيسها دون سبب او فائدة تُذكر.

وبالرجوع لغالبية مناجم اليورانيوم في العالم وجدنا ان خاماتها ذات تراكيز أعلى من 1000 جزء بالمليون، ولا يوجد منجم في العالم يعمل بتراكيز متدنية كتلك التي تدعي وجودها الهيئة وشركاتها (100 جزء بالمليون). وببساطة فهذا معناه ان استخراج ومعالجة كل طن من الخامات سينتج كيلوغرام يورانيوم في الحالة الاولى و 100غم في حالة الاردن، وهذا ينعكس على ان تكلفة انتاج كل كيلوغرام يورانيوم من خامات الاردن هو عشرة اضعاف انتاجه من خامات الحالة الاولى.

نتائج دراسات تكاليف استخراج اليورانيوم التي اجراها بيت الخبرة العالمي مورغان تشيس (JP Morgan Chase) بينت ان مشروع منجم مكجوريفر، والذي يبلغ معدل تركيز اليورانيوم في خاماته 439 جزء بالمليون، قد يصبح ذات جدوى اقتصادية اذا تجاوز سعر اليورانيوم 190 دولار/كغم في السوق العالمي.[4]

التقرير السنوي لمنجم روسينغ احد اكبر وأقدم مناجم اليورانيوم في ناميبيا اعلن ان خسائره عام 2011 بلغت 57 مليون دولار، وبأنه اصبح يواجه صعوبات اقتصادية نظراً لإنخفاض تراكيز الخامات حيث بلغت 250 جزء بالمليون في ذلك العام.[5]

الدراسات الأولية لتكلفة تعدين اليورانيوم من خامات وسط الاردن بينت ان تكلفة الإنتاج تتراوح بين 145– 220 دولار/كغم مرجحةً السعر الأعلى، وهذا يفوق سعر البيع في السوق العالمي الذي تراوح بين 110-121 دولار/كغم خلال الأثنى عشر شهراً الماضية، مما سيقودنا الى خسائر مؤكدة قد تصل الى 110 دولار/كغم.[6]

بما ان الاردن يخطط الى انتاج 2000 طن سنويا ستُباع في الاسواق العالمية، فهذا يعني ان الخسائر السنوية قد تصل الى 220 مليون دولار يتوجب على خزينة الدولة دفعها لدعم شركة مصادر الطاقة الحكومية للإستمرار في إنتاج وبيع اليورانيوم.

كما ان الدراسات الأولية بينت ان التكلفة الرأسمالية المتوقعة لإنشاء منجم لاستخراج وتعدين اليورانيوم في وسط الاردن هي 600 مليون دولار، ومطلوب من الحكومة ان تمول حصتها منها وهي 300 مليون دولار.[6]

هذه الخسائر المحتومة مردُها الى سوء الادارة والتفرد بالقرار الذي بدوره انهك خزينة الدولة التي تحملت خلال الخمسة سنوات الماضية مصاريف شركات ومكافآت ومعاشات وسيارات وسفرات واستشارات ومجالس ادارة لم ولن تقدم او تؤخر في هذا المشروع.

إن قيام الحكومة باستثمار 300 مليون دولار كتكلفة رأس مالية على مشروع خاسر سيزيد المديونية، بالإضافة الى خسائر تشغيلية قد تصل اإى 220 مليون دولار سنوياً سترفع فاتورة الطاقة وتضع عبئاً اضافياً على الموازنة.

هل الاردن بحاجة الى إضاعة المزيد من السنوات وهدر المزيد من الملايين لإثبات فشل هذا المشروع اقتصادياَ؟

إن كافة المعطيات العلمية تشير الى النتيجة نفسها وهي عدم جدوى الاستثمار التجاري في استخراج هذه النوعية الرديئة من خامات اليورانيوم، فمن هو المستفيد من نشر الأوهام لتوريط الاردن في مشروع خاسر؟

إن أي ادارة حصيفة تدرك ان الاستمرار في هذا المشروع بشكله الحالي هو هدر للمال العام واستنزاف للإقتصاد ولايمكن أن يصب في مصلحة الوطن.

*الكاتب: بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في الهندسة النووية من الولايات المتحدة الاميركية، متخصص في تصميم وهندسة المفاعلات النووية ‏وإدارة الوقود ‏النووي. مؤسس قسم الهندسة النووية في الاردن، مؤسس ومدير مشروع مختبرات اليورانيوم ومشروع مخزن النفايات المشعة ومشروع اول منشأة نووية في الاردن، مدير عام الشركة الاردنية لمصادر الطاقة الأسبق، مفوض دورة الوقود النووي الأسبق.

الهوامش: