دراسة في الشخصية الأردنية

للمفكر اللبناني محمد على الحوماني كلمة مشهورة ان للاردنيين شخصية متميزة، تتفرد عن اي شعب عربي آخر، تماما كابناء الام الواحدة، فلكل واحد اختلاف عن الاخوة الاخرين سواء فى قسمات وجهه او مزاجيات فكاهته ولهوه، او صدقه وكذبه، او وفائه او استهتاره.

وقد نهد الى هذه المهمة الكأداء رئيس جمعية المؤرخين الاردنيين الدكتور محمد عبد القادر خريسات ليوضح تجليات الشخصية الاردنية كما ارتسمت وتجسدت في منطقة لواء البلقاء وخاصة في السلط والفحيص والرميمين باعتبار ان المكونات الرئيسية قد تحددت من خلال مائتين وعشرين عاما من حكم ابناء البلد لانفسهم، بعيدين عن تاثير الحكم العثماني.

وكانت الركيزتان الاساسيتان لتلك الشخصية هما احترام دين الاخرين واحتضان الوافدين.

وقد ساهم في تبلور تلك السمات للشخصية الاردنية في السلط الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمدينة مما جعلها وعشائر محيطها من العبابيد والبلقاوية تستقبل وتهضم وتستوعب القادمين من عشائر نجد او بدو حمص او اكراد العراق او جبال عامل او تجار سوريا او القادمين من عين نسره اويازور اومدن فلسطين.

وقد ركز الدكتور الخريسات في منهجية بحثه الاكاديمي العلمي على نظرة ميكروسكوبية لوضع المسيحيين في لواء البلقاء باعتبار ان دراستهم تحدد القسم الثاني من الشخصية الاردنية، الا وهو احترام الاديان.

وقد استطاع ان يحصل على الترجمات من اللغة اللاتينية عن اوضاع المسيحيين وحياتهم المعيشية واعيادهم وعلاقاتهم مع العشائر الاخرى باعتبارهم جزءا من كل، مندمجين مع الوسط العام الذي يعتبرهم ركنا اساسيا في الكيان الكلي للمدينة، حتى ان مسيحيي وادى الاكراد يشاركون في « الهوشات « ضد منطقة الحارة، ويتشاجرون مع اخوتهم في الدين من الاورثوذوكس، ضمن « فزعة « عشائرية واحدة، وبانتماء للتحالف العشائري الذي يسمو على الولاء الديني.

وعندما خشي مسيحيو السلط بطش الوالي التركي، نزحوا الى القدس خلال 24 ساعة، تاركين بيوتهم واملاكهم وملابسهم، وعادوا بعد ستة اشهر ليجدوا ان خيطا من قماش لم يُسْرق من منازلهم، لان حفظ حق الجار وحرمته وماله وعرضه جزء اصيل من الشخصية الاردنية التي تجعل الشاب فارسا مستميتا في الدفاع عن جاراته وبناتهن، ويزكيه في تلك النخوة العُرف العام الذي يشكل جزءا من تميز الشخصية الاردنية.

وقد تكون هذه الدراسة القيمة للدكتور محمد خريسات توطئة لدراسات مماثلة عن الشخصية الاردنية المتميزة.

ونتمنى على اساتذة الجامعات ان يوجهوا ابحاثهم لدراسة تجليات الشخصية الاردنية المتميزة في الكرك « خشم العقاب «، وفي اربد « السبع خرزات « لان كيانية الوطن لن تستب الا بعد هذه الدراسات عن تميز الشخصية الاردنية التي تغرز قيم الانتماء، وتغرس معاني الاعتزاز، وتعزز مشاعر الافتخار، لان يكون الانسان ابنا لهذا الوطن، ومن نسيجه واصالته.

ليس كتاب الدكتور خريسات « المسيحيون في قضاء السلط « كاي كتاب، بل هو سِفـْر ثمين، يجب ان يحتل مقامه في المكتبة العربية.