فشل الجماعات الإرهابية وإفلاس الكابوس الغربي في سوريا.. يرسم صورة المستقبل

محمد شريف الجيوسي
ماذا يعني اغتيال قادة عسكريين وأمنيين سوريين مؤخراً ?
ما وزن عملية اغتيال من هذا النوع في أي بلد  على مساحة الكرة الأرضية ؟
هل التغيير القسري المشوب بروائح الأحقاد والضغائن المذهبية والطائفية والعنصرية الممولة من الخارجِ أدواته، والمسلحة والمدربة جيداً بحسب هيلاري، يُعطي أكله في داخل البلد المعني، في حال نجاحه ، دون ترك مضاعفات إقليمية محسوبة وغير محسوبة ،
هل السياسة مجرد تمنيات وأحلام وكوابيس من الماضي والحاضر، أم حسابات وبدائل وعمل ومؤامرات، ووعود يمنحها القوي للمضلل الضعيف فلا يلتزم بشيء منها غير ما يقض المضاجع ؟
هل من الحكمة التسرع في اتهام من له رؤى مغايرة غير ما يراه مسؤولون كبار في دولة ما وكتّاب تدخلهم السريع،يجيدون خداع أولياء نعمتهم وتضليلهم،ويقنعون المسؤولين بأن من لا يكتب مثلهم مشبوهون تخطّوا الخطوط الحمر والليلكية، فيما هم، في حقيقة الأمر هم وحدهم من يضر ولا ينفع،يرشون على الموت سكراً،يكذبون ويكذبون ،ليحظوا وحدهم بالمنافع، على حساب الوطن والوطن والوطن أولاً وآخراً .  
.. لقد تم تنفيذ عملية اغتيال القادة العسكريين والأمنيين السوريين بالتزامن مع انتهاء أكبر مناورات عسكرية سورية بالذخيرة الحية تتحقق في تاريخ سورية الحديث،ما أظهر مدى القدرات العسكرية الكبيرة التي امتلكتها سورية على غير صعيد،وهو أمر بالضرورة والحتمية المطلقة لا يسعد ويقلق واشنطن وتل ابيب وعواصم الاستعمار القديم والحديثة منها.   
كما تمت عملية الاغتيال(تكراراً) لنهج المقاربة الزمنية الذي تتبعه العصابات المسلحة بين انعقاد مجلس الأمن وتنفيذ مذبحة كبيرة ضد المدنيين،مستهدفة هذه المرة، قادة عسكريين وأمنيين كباراً اسهموا مع زملائهم في الوصول بسورية إلى هذه القدرات العسكرية المزعجة والمربكة لأعداء سورية بدليل عملية الإغتيال.
وحيث تشكل الجيوش في الدول التي يكون فيها التجنيد (خدمة العلم) عاماً ، تكون أهم مرتكز للوحدة والعزة الوطنية ورمزها الأول دون منازع . وليس فقط حامية للديار والاستقرار. ومن هنا فإن الجيش الوطني ( جيش أية دولة هو أول المستهدفين من قبل أية جهة معادية لتلك الدولة والوطن ) حيث يتبدل حال الدولة ـ الوطن ، حال المساس الكامل بالجيش الوطني ، إلى الأشد سوءاً، وهو الأمر الذي جعل قادة من الجيش العربي السوري، الأكثر استهدافاً، بعد بروز المناورات الأخيرة التي أظهرت كم هي سورية قادرة عسكرياً وليست فقط غير مدينة ومكتفية غذائياً. كما هي ليست فقط داعمة للمقاومات العربية.
قد يسأل متسائل،كيف أمكن استهداف هذا العدد من القادة الكبار الاستراتيجيين، وسط تفهم مفترض للمخاطر الكبيرة التي تحيط بسورية ؟ إن وقوع أخطاء واختراقات كبيرة ليس أمراً استثنائياً، وهو أمر حدث ويحدث مثله في أكثر الدول قدرة واعتناء بأمنها القومي والاستراتيجي ، والأمثلة كثيرة جداً، وعلى غير صعيد.
لكن السؤال ما هو الأثر الناجم عن مثل هكذا اختراقات أمنية استراتيجية، لا بد أن هذا يتراوح بين دولة وأخرى بقدر تماسك بنيانها الداخلي ونظامها السياسي،وفي الحالة السورية، بدا واضحاً أنه رغم حجم الضربة الكبير ،لم تترك العملية الإرهابية أي فراغ ولم تُحدث أي ارباك وجرى التعامل مع ما حدث إعلامياً بشفافية بالغة أولاً بأول بحجم ما حدث دون تهميش ولا تضخيم على نقيض فضائيات الفتن والتضليل.
إن مقتل أو استشهاد أو حتى تمرد قادة كبار سياسيين وعسكريين لا يعني بالضرورة حدوث اختراق في بنية النظام أي نظام بقدر قوة بنيانه ودعم الشعب له والتفاف بناه الرسمية والشعبية من حول استقلالية قراره السياسي.وهو الأمر الذي تبدى واضحاً فيما يتعلق بسورية، وفي دول أخرى مرّت بذات التجربة .
هم ظنوا (وبعض الظن إثم) أنهم باغتيال هذا العدد وهذا المستوى القيادي سيتمكنوا من هز البنية الداخلية للجيش السوري حامي الديار (رمز الوحدة الوطنية والعزة والاستقرار) ومن خلاله خلق حالة من الفوضى تحيط بالنظام / الدولة ، وتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه على مدى نحو سنة ونصف السنة .   
كابوسهم هذا لم يتحقق ولن يتحقق ، فمن يعرف سورية جيداً يعلم كم هو الشعب السوري وبخاصة في دمشق الشام،مبدع محب للحياة والعمل،يمقت السفاسف ومضيعة الوقت والصراعات غير الكريمة، كاره للغريب(الأجنبي) لا يدخل بيته ، ومن يدخله يعامل على أحسن ما تكون عليه المعاملة كـ نسيب أو صهر.وفي الذاكرة التاريخية نرى مشاهد بيوته القديمة من الخارج غير مغرية لطامع فيما هي من الداخل (جنان الله على الأرض ) وهي الميثولوجيا التي يتوارثها أهالي بلاد الشام بعامة، ليس للغريب / الطامع / الأجنبي / الذي يريد فرض إرادة على البلاد مكان ، حتى وإن كره الناس حاكماً أو نظاماً سياسياً معينا ، فما بال من يكون للنظام فيه رصيده الشعبي الكبير.  
وهكذا نرى بأم العين إفلاس الجماعات الإرهابية المسلحة رغم المليارات التي تنفق عليها، ورغم التحشيد البشري من الخارج لدعمها،والتحريض الإعلامي المزود بأرقى ما وصل إليه العقل الإعلامي من قدرة على التزييف، والفتاوى التي تصرف بالمجان باسم الدين الحنيف، والسلاح السخي والتدريب العالي على القتل الغريزي،كل ذلك يدفع الغرب إلى حالة إضافيةمن عدم التوازن،في ظل أزماته العديدة المستفحلة وإدراكه أن(دونشوكياته) لم تعد تعطي أكلها كما السابق، فالأمة رغم تمزقها،وانحياز الكثير إلى م   عسكر اعدائها،لكنها تستيقظ من عميق الرماد والألم،وتغير المعادلات وموازين قوى الإقليم والعالم.وليس القول كالفعل . وما نرى الآن على الأرض السورية من حزم وحسم ، يؤكد ذلك . فضلاً عن الصعيد الدولي.