ما وراء الربيع العربي

مسلسل الربيع العربي متواصل ، لا ينطلق في قطر عربي جديد إلا بعد أن ينتهي من قطر عربي آخر ، التزاماً بالدور! وبما أن ربيع سوريا طال أكثر مما كان متوقعاُ ، فقد نفد الصبر وتم إطلاق الشرارة في قطر عربي آخر هو السودان قبل أن يتم الفراغ من سوريا.

في السودان مظاهرات واعتصامات شعبية ذات عناوين سياسية كالديمقراطية ، واقتصادية كرفض التقشف ورفع الأسعار. وفي جميع الحالات فإن الفضائيات العربية جاهزة لصب الزيت على النار ، ويعود لها الفضل إذا انتهى الربيع العربي على خير ، وتتحمل المسؤولية إذا حصل العكس ، وما زال الوقت مبكراً للحكم على النتائج ومعرفة ما إذا كانت الدوافع بريئة لوجه الديمقراطية والحرية أم لوجه الشيطان.

ليس مهماً في هذه المرحلة معرفة ما إذا كان وراء الربيع العربي حركة نهوض شعبية وتطلع إلى الحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد ، أم مؤامرة دولية هدفها تدمير العالم العربي وإخضاعه وتأكيد أمن إسرائيل وسيادتها على المنطقة ، فالمهم هو النتائج التي يسفر عنها هذا الربيع إيجاباً وسلباً ، وربما كان علينا أن ننتظر النتائج النهائية لمعرفة الأسباب والدوافع.

مصلحة إسرائيل في الربيع العربي واضحة ، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن إسرائيل هي التي تكمن وراء الربيع العربي وتحركه ، ولكنها الأقدر على الاستفادة منه وتوظيفه بشكل يدفع الشعوب العربية إلى التوجه داخلياً ، وصرف أنظارها عن الصورة الإقليمية حتى لا نقول القومية. وقد تحقق حتى الآن استبعاد فلسـطين من اهتمامات الشارع العربي ونقل بؤرة الاهتمام كلياً إلى الموضوع الداخلي: حكومة مدنية ، أحزاب دينية وعلمانية ، انتخابات حرة ، تصفية العهود السابقة والعودة للبناء من نقطة الصفر ، محاربة الفساد الحقيقي والافتراضي ، خلخلة النظام الاجتماعي وصولاً إلى تدمير الدولة تمهيدا لقيام دكتاتوريات جديدة.

إذا صح أن وراء الربيع العربي مؤامرة ، فإن علينا الانتباه إلى أن الجائزة الكبرى للمؤامرة هي الأردن ، ضربه وتحويله إلى وطن بديل يحل معضلة إسرائيل الوجودية. وقد تم بالفعل إلقاء البذور في ساحة الجامع الحسيني وساحة النخيل وما بينهما ، ولكنها لم تطلق جذوراً وبقيت على هامش الحياة السياسية ، فانتقلت إلى المحافظات ولكن على الهامش أيضاً ، فقد أظهر الشعب الأردني صمودأً ومناعة ضد ما يراد له.