معجزة في النمسا... فادى العائد من الآخرة يروى الحكاية
اعتقد بأنه لبث ليلة وبضع ساعات ، لم تكن كذلك بل ثلاثة أشهر وخمسة أيام قضاها في غيبوبة كاملة .
ظنوا أنها الخاتمة ، أنظار الجميع مشدوهة نحو الطبيب "وكأنه صاحب القرار" في انتظار إيماءة رأس ليس لها إلا معنى ، غالبا لا نرغب بفهمه ونتمنى لو أنه ومضة كابوس ستنطفئ .
لم يبق غير إعلان الوفاة وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة وذرف الدموع ، إنه الفراق.
أبى الموت أن يعصى القدر ، قدر لا يراوغ ولا يعبث ، كانت له كلمة الفصل ، استيقظ فادى، لم يصدقوا أنه حيا يرزق ،هو نفسه لم يصدق ، بلى إنه على قيد الحياة ، عاد من الآخرة ليروى الحكاية ، حكاية شاب فلسطيني ترك مخيمات اللجوء في لبنان ليلتحق بعائلته في ألمانيا فحط الرحال في النمسا وهنا بقى !! وأمضى عدة سنوات قضاها في أروقة المحاكم والتنقل من مدينة لأخرى ليحصل في نهاية المطاف على حق اللجوء ، حصل عليه وهو مقيم في إحدى مستشفيات العاصمة-فيينا ، حيث يحظى برعاية طبية متميزة ومعاملة حسنة ولائقة كما يروى فادى بنفسه .
من قال أنها وحى أسطورة ! أو هذيان أحبة أعدوا مراسم الدفن والتأبين قبل أن يأذن موسم الحصاد ... شارف على الرحيل ، أو رحل فادى هكذا ظنوا ! لكن أقصوصة العمر لم تبلغ فصل النهاية .
أردنا مواساته ، راودنا البكاء عن نفسه ، نحن من راودناه وتوسلناه في مكمنه ، إلا أنه رفض الانصياع وتمنع .
من يرأف بمن ؟!؟ ووفود اليأس لا تجد إلى فادى سبيلا أو بابا تقرعه...
نظرة واحدة إلى ابتسامة يجود بها فادى لا تكفى ، كلا لا تكفى لاكتشاف سر إكسير حب يشع من عينيه و يغدقه على من حوله .
لن تقوى على التحديق إليه ، ستمنى بهزيمة تجر أذيالها . فادى الممد على سرير الشفاء والراقد بلا حراك لا يتأفف ولا يتذمر ، يمتلك من العزيمة والصبر والاحتساب ورجاحة العقل وسرعة البديهة مالا نملكه نحن الأصحاء ، هذا إذا ما اعتقدنا أننا أصحاء !!
لازال فادى يغفو ويصحو على أنغام وشائح أمل تلوح بشائره ، بشائر يراها هناك في الأفق ، هو على يقين بأنها لن تخذله ، فادى الذي لا يتقن الشكوى .