رئيس حكومة إسرائيل في مأزق وهذه ليست مبالغة أو محاولة للهرب بعيداً عن تداعيات الأزمة السورية المتمادية والتي هي في بعض تجلياتها جزء من «الأزمة» التي باتت تفرض نفسها على أول زعيم حزب توفرت له فرصة غير مسبوقة ليدخل تاريخ إسرائيل، كشخصية سياسية شكّلت «ثلاث» حكومات لم يسبق أن حظي أحد من ساساتها حتى أولئك الموصوفون بالآباء المؤسسين من قماشة بن غوريون أو بيغن أو شامير..
نتنياهو الذي لم يَعُد يرأس أكبر إئتلاف حزبي في تاريخ الدولة العبرية (94 نائباً) بات الآن لا يعتمد إلاّ على 66 نائباً (أو أقل في اعتبارات التصويت في الكينيست) بعد أن انسحب منه حزب كاديما بزعمامة شاؤول موفاز الذي لم «يصمد» في الائتلاف اليميني المتطرف الذي يقوده نتنياهو سوى «68» يوماً بدا للجميع وقتذاك (أوائل أيار الماضي)، وكأنه أراد الهروب من المصير الذي كان ينتظر كاديما، بعد أن نجح (موفاز) في إطاحة تسيبي ليفني من زعامة الحزب والجلوس مكانها، فجاءت استطلاعات الرأي لتقول إن كاديما برئاسته سيختفي من الخريطة الحزبية أو أنه في كل الأحوال سيحصل على عدد من النواب (من خانة واحدة).
انسحاب كاديما «خصم»من رصيد الاثنين، موفاز وخصوصاً نتنياهو، فالأخير بات تحت القصف الإعلامي والحزبي المتصاعد، لأن سبب انهيار «حكومة الوحدة» هو رفضه مشروع القانون الذي يقضي بضرورة ذهاب الشباب «الحريديين» إلى التجنيد، كما يشمل اقتراحاً خاصاً بالمواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر يطالبهم بالخدمة المدنية وليس الانخراط في الخدمة العسكرية.. لم تتوقف مناورات نتنياهو إزاء «سلسلة» الاقتراحات من تشكيل لجنة لوضع مشروع قانون بديل للقانون المعروف بـِ»قانون طال» الذي حدد الأول من آب الوشيك، موعدا لبدء خدمة الحريديين (طلبة المعاهد الدينية الذين يحصلون – حتى الان – على إعفاء من الخدمة العسكرية لأنهم يدرسون علوم الدين – التوراة – ولا تتضمن مناهجهم دراسة الرياضيات او العلوم الطبيعية أو لغة أجنبية كالإنجليزية أو الفرنسية).
أخيراً اكتشف موفاز «كذب» نتنياهو أو انه رآها فرصة لمغادرة سفينة حكومته التي تتلاطمها الأمواج وخصوصا بعد الاحتجاجات الاجتماعية التي وصلت ذروتها باحراق موشيه سيلمان نفسه، ما اثار عاصفة من الانتقادات اللاذعة على نتنياهو شخصيا وسياساته الاقتصادية التي تنحاز للأغنياء على حساب الفقراء والطبقة الوسطى.
ابتعاد موفاز عن نتنياهو يترك الأخير أمام خيارات صعبة، كان بمقدوره (نتنياهو) ان يتجنبها لو انه ذهب الى انتخابات مبكرة كانت تحددت في 4 أيلول القادم، لكنه فاجأ حزبه (الليكود) والجمهور الإسرائيلي عندما ضم كاديما الى الائتلاف تحت عنوان حكومة الوحدة ما اثار على الفور تكهنات واسعة بان مثل هذه التسمية لم تطلق إلاّ على حكومة ليفي اشكول عشية عدوان 5 حزيران 1967 وذهبت التحليلات باتجاه «إيران» بما هي الملف الأبرز على جدول أعمال نتنياهو، الذي لا يتردد في تشبيه إيران بالنظام النازي عندما يقول انه لن يسمح بحدوث «محرقة ثانية» في إشارة إلى برنامج طهران النووي.
نتنياهو مأزوم وهامش مناورته لا يبدو واسعاً، فليس أمامه إلاّ خيار الذهاب الى حرب خارجية لتحويل أنظار الجمهور الإسرائيلي عن الملفات الداخلية المُلّحة (الاجتماعية وتجنيد الأصوليين) التي اذا قرر مواجهتها (الملفات الداخلية) فلا تعني سوى الذهاب إلى انتخابات مبكرة لا يُتوقع له ان يكون على القوة التي كان يمكن ان يكون عليها لو ذهب إليها في أيلول الوشيك (قبل انضمام كاديما)..
أما الحرب فساحاتها «الثلاث» معروفة، بعد ان دخلت الأسلحة الكيماوية السورية على خط التهديدات الإسرائيلية وخصوصا بعد تصاعد الاتهامات لحزب الله على خلفية تفجير الحافلة في بلغاريا وإضافة بالطبع إلى الملف النووي الإيراني.
حرب نتنياهو – إن حصلت – ضد «محور الشر» الثلاثي لن تكون نزهة وهو يعلم ذلكَ، كما تدركه واشنطن ومعظم الأنظمة العربية التي ترفع من رهاناتها على سقوط النظام السوري.
أي الطرق سيسلك نتنياهو؟
... الانتظار – لن يطول – فالأحداث تتلاحق بسرعة غير مسبوقة.