" عوذة"


أمس كنت في زارا ، فقد قالوا لي أن هناك مهرجانا للتذوق ، وكان بودي أن أتذوق شيئا جديدا غير المرار وغير القهر فذهبت .

لحظة دخولي ، ظننت انني في مضارب البادية الأصيلة ، فقد استقبلني "محمد" بالزي العربي الكامل ، " شماغ مهدب ودشداشة سوداء ، وكان يرتدي جناب ، لكني في الحقيقة لم أرى مسدسا أو رصاص " وانما ما رأيته دلة قهوة وثمة فناجين بلاستيكية ، وقد ناولني فنجان .

لم أرد فنجان الفارس رغم أني أعاني من القرحة ، ولكن كان بودي أن أرد هذا الفنجان لسبب آخر ، إلا أني شربته ، عندما انهيت الفنجان مددته على "دواس الظلمة" بعد أن هززته ، "محمد" كان كريما ولم يقصر ، فقد أعاد ملئ فنجاني من جديد رغم أني هززته .

على كلا ... تابعت دخولي ...

في مهرجان التذوق كان هناك العديد من الشركات المشاركة ، الشركة الملفتة كانت شركة " نسكافيه" ، فقد استعانت بشاب وفتاة وألبست كلا منهما عباءة مقصبة وشماغ أحمر مهدب ، لترافق " صبيبة النسكافية " للزوار ، للعلم طبع على العباية من الخلف " NESCAFE " .

الأمر إلى هنا عادي تقريبا رغم أنه مؤلم كثيرا ، لكن الأمر غير العادي أن يرتدي شاب عباية على بنطلون جينز ويشغل نفسه " بالعلك " حينا وبإلتهام باكيت شيبس في حين آخر .

ترى لو شعرت وقتها في ضيق فوق الذي أشعر به ، ولو شعرت وقتها بضيم أو كان هناك ثمة أشخاص يريدون النيل مني والثأر ، ولجأت إليه وعقدت شماغه ، وقلت له " أنا دخيل عليك يا راعي خير " ، ترى ماذا ستكون ردة فعله ؟! .

الفتاة أيضا كانت ترتدي الشماغ وترتدي عباية مشابهة ، وكانت تعلك أيضا ، وفي لحظة أن قلت لها " الله انت حييكي " ، قالت لي : " كلك زوء " .
ترى ماذا يعني " الزوء " باللهجة البدوية ؟؟
هل تعرف هذه الفتاة مثلا نمر بن عدوان ، وهل تعرف "وضحى" ، وهل اعتادت على " خض الحليب " ، كان بودي أن تخبرني عن معنى " طقعتين وصقلة " ، ولكني وجدت أنها لا تعرف سوى ثلاث كلمات " بعئد " و " ومش معئول " " وكلك زوء ".

لن أستمر في الحديث ... سأترك لكم الزيارة والاطلاع فهي فرصة لنرى ما آل إليه الوضع والحال ، اذهبوا لمضارب قبيلة " النسكافيه " وستروا ، وبودي أن يمنح رئيس الوزراء لنفسه فرصة للراحة والتذوق ويذهب معكم ، فهو معني بهذا الأمر ، والأمر كله يقع على مسؤوليته .

المسألة تحتاج إلى بعض " الحيا " وبعض الاحترام ، فالمسألة تنم على انقاص لهذه الهوية الوطنية ، وللزي العربي والشماغ ، واستنزاف للتراث وضياع للأصالة وهناك اجحاف كبير وخطير بحق " العبي " .

بصراحة ... لم أتذوق شيئا بقدر المرار الذي تذوقته ... هربت من مرار إلى مرار أشد وأمر .

مرارة بسيطة لا أكثر .... الشمغ التي عقدت في تاريخنا ، وعبي منابع الدم ، والجناب الذي حمل رصاصات الثورة العربية ، مكانها القلوب والأعين والجباه المعتادة على العزة ، على أجساد " أبو العلكة " ولا على أجساد أهل " الزوء " .

لا أملك أن أقول لهم سوى " عوذة ... من هذا الزمن الذي ضاعت به العبي "

لكن .... هل سيفقهون ...



المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com