الحركة الإسلامية أكلت الطعم

اذا كانت الحركة الاسلامية التنظيم الأكثر وعيا-كما يراها الكثيرون- والحزب الذي يتمتع بالخبرة والحكمة وبما يكفل اتخاذ القرارات الصحيحة، اذن كيف فات الحركة ان قانون الانتخاب فصل من أجل دفعها للمقاطعة لا المشاركة، وكل قانون في السابق وضع ومعه هواجسه المختلفة وعلى رأسها كيفية تحجيم الحركة الاسلامية بتشريع وليس بالاعتقال والملاحقة كما هي الحال في دول كثيرة.

كيف تجاهل زعماء الحركة الاسلامية وحكماؤها عندما-تداولوا في شأن الموقف من قانون الانتخاب وقرروا المقاطعة، حقيقة ان معظم نواب المجلس الحالي لم يكونوا بحاجة للتحريض من حكومة او اية جهة كانت كي يقروا قانونا يبعد المنافسين لهم في الانتخابات القادمة لضمان العودة الى البرلمان مرة أخرى وربما مرات، والخصومة في هذه الحال مباحة ومشروعة ولا تندرج في قوائم المؤامرات على الحركة الاسلامية او غيرها من الاحزاب والتنظيمات والحراكات التي قررت المقاطعة كما يعتقد فلاسفة المعارضة، ثم أن المقاطعين لم يأخذوا بعين الاعتبار العامل الخارجي لحظة اقرار القانون في المؤسسات التشريعية، وكيف فاتهم الا تترك تطورات الاحداث في مصر أثرها البالغ على مزاج المشرع الاردني تماما كما اصابت المواطن الاردني بصدمة من بين عشرات الصدمات التي خلفها الربيع العربي ولا زال، فمن توقع ان تذهب الحركة الاسلامية في مصر الى ابعد من مجرد المشاركة في الحكم والسلطة لتقرر الاستحواذ على السلطات..!

اذن فقد أكلت الحركة الاسلامية الطعم وتعرضت لمقلب من عيار ثقيل عندما تعاملت مع قانون الانتخاب على انه ادانة للحكومة ومجلس الامة وتراجع عن عملية الاصلاح وتجاهلت ان الدولة كلها وضعت امام خيارين احلاهما مر، فاما الاصلاح الهادئ المبرمج الذي يسير وفق مصالح الاردن وامنه واستقراره بدون قفزات خطيره كالتي وقعت في مصر، واما (زعل) الحركة الاسلامية والمتحالفين معها وهؤلاء ليسوا أغلبية ولا يمثلون السواد الاعظم من الاردنيين، فكان الخيار حكيما بقدر الخوف من تدابير الربيع العربي ومفاجآته خاصة وان الحركة الاسلامية لم تقدم اية تطمينات (مريحة) فقاطعت الحوار كمقدمة لمقاطعة الانتخابات معتمدة على ليونة الموقف الرسمي وحراك الشارع الضاغط بقوة لتحصيل تنازلات في النظام الانتخابي تتيح للحركة ولغيرها من المعارضين رد الصاع صاعين وتحقيق النصر المؤزر تحت قبة البرلمان.

عاملان رئيسيان اطاحا بمخطط الحركة الاسلامية، العامل الاول داخلي ويسلط الضوء على مواقف الحركة الاسلامية المتشنجة منذ بدء الحراك قبل سنة ونصف, موقف سلبي من مجلس النواب المشرع الاساسي، وموقف آخر أكثر سلبية من لجنة الحوار الوطني, ثم مجموعة المواقف التقليدية المناهضة لمؤسسات الدولة وجميع هذه المواقف تندرج تحت عنوان عريض ( رفض الحوار ) والاصرار على اكتساح المقاعد النيابية بالديمقراطية التي لا تقبل بها الحركة الاسلامية الا لهذه الغاية، العامل الثاني خارجي ويضع على طاولة الحوار الوطني مستقبل المنطقة، سوريا والجهة التي ستحكمها، مصر ومستقبلها، حماس وما سيوؤل اليه مصيرها، هذه الاسئلة تلقي بظلال من الخوف على مستقبل الاردن لو حقق الاسلاميون طموحاتهم في البرلمان والحكومة وملكوا القرار الاول في بيئة غاضبة وشعوب تتجه نحو الانتقام من تاريخها وانظمتها بتولية الاسلام السياسي مهما بلغ حجم المغامرة.