من تابع جولة كلينتون إلى المنطقة يكتشف بسهولة أنها جولة إسرائيلية بامتياز، هدفها الأول والأخير ضمان أمن الكيان الصهيوني وضمان تفوقه، وضمان فرض شروطه في التسوية المزعومة، ناهيك عن أنها تدخل في صميم التحضيرات لمعركة الرئاسة الأمريكية وتستهدف كسب ود اليهود، لصالح مرشح الرئاسة الديمقراطي باراك أوباما.
لقد تبدت الأهداف سالفة الذكر وغيرها عبر ما يلي:
أولاً: إصرار وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على الحصول على ضمانات من الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي بالالتزام بمعاهدة كامب ديفيد، تلك المعاهدة التي قوضت السيادة المصرية على أراضيها لصالح أمن الكيان الصهيوني، وكذلك إصرارها على عدم إجراء تعديلات على آلية وشروط استخدام معبر رفح؛ لضمان استمرار حصار قطاع غزة.
ثانياً: تقديم الوعود السخية لـ"إسرائيل" بشأن محاصرة إيران؛ لضمان الحصول على دعم اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
ثالثاً: إصرارها على تحميل مسؤولية فشل المفاوضات وعدم استئنافها للجانب الفلسطيني، ومن ثم معاقبته مالياً جراء توجهه مجدداً للحصول على عضوية دولة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكانت كلينتون قد ألمحت في لقائها مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في باريس –قبيل وصولها إلى القاهرة– إلى تحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن عدم انطلاق المفاوضات من جديد، متجاهلة حقيقة أن الكيان الصهيوني هو من أفشل المفاوضات؛ جراء سياسته الاستيطانية، وإجراءاته التهويدية المستمرة للقدس، ورفضه مبدأ العودة لخطوط 1967.
وفيما يتعلق بالهدف الاول فقد حصلت كلينتون على موقف من الرئيس مرسي باحترام جميع المعاهدات والاتفاقات التي دخلت فيها مصر طواعيةً، ما دام أن الطرف الآخر يحترم التزاماته بالنسبة لهذه الاتفاقات والمعاهدات دون ذكر مفردة "الالتزام"؛ ما يذكرنا بالجدل الذي دار في الساحة الفلسطينية عندما تم تشكيل الحكومة الفلسطينية، إثر الانتخابات التشريعية عام 2006 واستخدمت حماس في بيان الحكومة عبارة "الاحترام" بدلاً من "الالتزام" بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي؛ ما أثار احتجاج الجانبين الإسرائيلي والأمريكي ودفعهما إلى محاصرة الجانب الفلسطيني مالياً.
ما رشح من أنباء يشير إلى أن الرئيس مرسي كشف عن نيته أمام كلينتون في إعادة النظر في بنود المعاهدة المصرية الإسرائيلية لجهة زيادة حجم التواجد العسكري المصري في سيناء، لكن الغموض ما يزال يكتنف موقف الرئيس المصري بشأن وعوده الانتخابية السابقة بشأن فتح معبر رفح بشكل تام، وإلغاء الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة، خاصةً أن المجلس العسكري المصري ما يزال متمترساً في ذات الموقف السابق لنظام مبارك حيال معبر رفح وحصار قطاع غزة.
وعلى ديوان رئيس الجمهورية في مصر أن يوضح ويرد على ما جاء في بعض التقارير الصحفية الإسرائيلية "في أن وزيرة الخارجية الأمريكية نجحت حتى الآن في ثني السلطات المصرية عن اتخاذ قرار بفتح معبر رفح، بشكل يؤدي إلى إلغاء الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة بشكل نهائي وتام، وأن السلطات المصرية ستنسق في أي إجراءات مستقبلية بشأن المعبر بشكل مباشر مع الولايات المتحدة، وبشكل غير مباشر مع "إسرائيل".
وفيما يتعلق بالهدف الثاني الخاص بالحصول على وعد من الحكومة الإسرائيلية، بدعم المرشح الديمقراطي باراك أوباما في مواجهة المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني، مقابل تشديد العقوبات الأمريكية على إيران، فقد وعدت كلينتون أركان الحكومة الإسرائيلية بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران؛ لثنيها عن الاستمرار في مشروعها النووي، على أمل أن يشكل هذا الموقف الأمريكي حافزاً ودفعة مقدماً على الحساب، من أجل الحصول على دعم "إسرائيل" واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، للديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وكان مساعد وزير الخارجية الأمريكية وليام بيرنز قد سبق كلينتون في زيارته للكيان الصهيوني، والتقى نظيره الإسرائيلي داني أيالون، وأكد له أن الهدف من العقوبات الجديدة التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران خفض دخل عائدات إيران من النفط بنحو 50 – 60 في المائة، وحث في ذات الوقت الجانب الإسرائيلي على عدم الإقدام على شن أي ضربة لإيران قبل التنسيق والتشاور مع واشنطن؛ خشية أن تؤثر هذه الخطوة في الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية.
وأخيراً وبخصوص الهدف الثالث من جولتها في المنطقة: هو إرسال رسالة للسلطة الفلسطينية بشأن تجاهلها، بعدم إدراجها في جدول الزيارة رغم أن المسافة بين القدس ورام الله لا تتجاوز ربع ساعة؛ وذلك عقاباً لها على مسألتين هما، اولاً: إصرار السلطة الفلسطينية على اللجوء إلى الأمم المتحدة مجدداً للحصول على عضوية "دولة غير عضو" في الأمم المتحدة ، وذلك بالضد من الموقف الأمريكي، وثانياً: ربطها العودة إلى المفاوضات بوقف الاستيطان، وقبول "إسرائيل" العودة إلى خطوط 1967.
ولم يشفع للسلطة الفلسطينية لدى واشنطن التزامها الكامل بخارطة الطريق لجهة وقف العنف "المقاومة المسلحة"، والتنسيق الأمني المستمر مع الكيان الصهيوني، وحضورها إلى محادثات عمان الاستكشافية في يناير/ كانون ثاني الماضي، فقد عملت واشنطن على إصدار أوامرها وتعليماتها لأدواتها في النظام الرسمي العربي بوقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، والتراجع عن وعودها بتوفير شبكة أمان مالية للسلطة مقدارها 100 مليون دولار شهرياً، وبعدم دعم السلطة في توجهها للأمم المتحدة للحصول على عضوية "دولة غير عضو".