الحمارنة : الأزمة الاقتصادية الراهنة أسوأ من أزمة 1989

اخبار البلد_ قال أمين عام الحزب الشيوعي الأردني واستاذ الاقتصاد والتنمية الدكتور منير حمارنة، إن الأردن يعايش أزمة اقتصادية صعبة ومماثلة لأزمة العام 1989 ومن الصعوبة الخروج منها لتزامنها مع الأزمة المالية العالمية.
وأضاف الدكتور الحمارنة في حوار مع «الرأي» :» إننا نشهد اليوم تكرارا لتجربة برنامج الاقتصاد الوطني الذي طبق في العام 1989 وكانت نتائجه سلبية من عجز في الموازنة وارتفاع في حجم المديونية الخارجية الى جانب العجز في الميزان التجاري»، مشيرا الى أن هذه السمات في الاقتصاد الوطني لم يرافقها أبدا محاولات جدية وإجراءات فعلية لترشيد الإنفاق بشكل عام.
إلا أن الدكتور الحمارنة، رأى أن ثبات سعر صرف الدينار المرتبط بالدولار منذ عام 1995، هو الايجابية الوحيدة التي تحققت على مدار السنوات الماضية، مشيرا إلى تطمينات البنك المركزي بوجود احتياطيات أجنبية مريحة.
ولفت الخبير الاقتصادي الى أن السياسة الضريبية والمتمثلة بضريبة المبيعات والضرائب غير المباشرة التي فُرضت بتوجيهات من مؤسسات مالية دولية قد ساهمت في تفاقم الثروات و إنهاء دور الدولة في السوق المحلي بشكل قطعي وتوجيه ضربة كبرى للحياة العامة في الأردن بما فيها الحياة السياسية.
وأكد أن الحاجة الاقتصادية والسيادية للدولة تستدعي مراجعة كامل إجراءات الخصخصة بما يسمح بإعادة النظر في العوائد المتحققة للأردن من الشركات التي تمت خصخصتها و الضرائب المفروضة عليها، مشددا على ضرورة زيادة الضرائب على الشركات والاستثمارات الأكثر ربحية مع إجراء مفاضلة ذات طابع تشجيعي للصناعات المحلية المطلوب تطويرها.
وبين أن نسب ارتفاع معدلات التضخم في السنوات الأخيرة كانت أعلى من معدلات النمو، والتي انعكست بدورها على المستوى المعيشي للمواطنين الذي شهد تدنيا ملحوظا، مشيرا الى دراسة أعدتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة « الفاو» والتي أظهرت أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت عالميا بنسبة 4% بينما ارتفعت في الأردن بنسبة 27%.


ودعا الأمين العام للحزب الشيوعي الى إعادة دور الدولة في الحياة الاقتصادية سواء في الاستثمارات أو السوق الداخلي ، الى جانب بذل الجهود لزيادة لإنتاج زراعي بما يساهم في تحسين الأمن الغذائي .

الوضع الاقتصادي
وحول الوضع الاقتصادي ، قال الدكتور الحمارنة، إن الأردن يمر بظرف اقتصادي شديد الصعوبة، لافتا الى عدد من المؤشرات التي تدلل على هذا الوضع والتي تتمثل بصورتها الأولية الرئيسية في الأزمة المالية للموازنة العامة التي تعد عاملا مهما في حياة الأردن الاقتصادية ويتركز على رؤيتها و إدارتها الشيء الكثير.
وأضاف :» في الوقت الذي اعتمدت فيه الموازنة العامة على الإيرادات الخارجية بشكل أساسي، لم نشهد أي محاولات وإجراءات جدية وفعلية لترشيد الإنفاق بشكل عام سواء من حيث كتلة الإنفاق أومن حيث توجيه هذا الإنفاق، مشيرا الى أن الاقتصاد الوطني شهد حالات إنفاق وتوسع في الإنفاق الجاري «مبالغ فيها» و بشكل لا ينسجم مع موازنة لا تغطي إيراداتها المحلية هذا الإنفاق .
وبين أن عجز الموازنة ارتبط بالمديونية العامة وعجز الميزان التجاري.
 وقال :» بتنا نستورد أكثر مما نصدر ونستهلك أكثر مما ننتج، ولعدم وجود أي تدخل حكومي لترشيد هذه العلاقة ( الاستهلاك والإنتاج، التصدير والاستيراد) حدث نتوء كبير في الميزان التجاري مما يعود بنا الى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم في العام 1989 والذي كان من أبرز أهدافه تقليص العجز التجاري وعجز الموازنة والمديونية الخارجية ومع كل الأسف وبعد مرور عقد ونصف من تطبيق هذا البرنامج تحقق عكسها تماما باستثناء الشيء الايجابي الوحيد إلا وهو تثبيت سعر صرف الدينار وذلك لارتباطه بالدولار».
ونوه الدكتور الحمارنة، الى عدم استفادة الحكومات المتعاقبة من تجربة 1989، فتكررت العجوزات في أرقام المديونية و الموازنة وعجز الميزان التجاري بمستويات عالية جدا، مرجحا ارتفاع حجم المديونية في نهاية العام الجاري لأكثر من 15 مليار دينار وعجز الموازنة لأكثر من 2 مليار دينار، رغم ان التقديرات الحكومية تشير الى أن العجز سيصل الى 1.2 مليار دينار.

انعكاسات اقتصادية واجتماعية
وتطرق الدكتور الحمارنة، الى الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية التي رافقت تراجع مؤشرات الاقتصاد الوطني،كارتفاع نسب الفقر و البطالة بسبب قلة الاستثمارات القادرة على توليد فرص عمل جديدة، لكنه أشار في ذات الوقت الى أن البطالة في الأردن شديدة الخطورة، لأن النسبة الأعلى من العاطلين عن العمل تتشكل ضمن صفوف حملة الشهادات وخاصة العليا منها من ناحية ومن ناحية أخرى هم صغار بالسن.
وأضاف أن المملكة شهدت قفزات عالية ومتوالية بالأسعار في الوقت الذي لم تبذل فيه أية جهود لوضع حد لهذا الارتفاع ، موضحا أن ارتفاع معدلات التضخم في السنوات الأخيرة كان أعلى من معدلات النمو، مما انعكس بشكل سلبي على المستوى المعيشي للمواطن.
ووفقا للخبير الاقتصادي ، فإن حد الفقر وصل الى 800 دينار للأسرة المكونة من 5-6 أفراد والذي بدوره قفز من 450 دينار، فيما أظهرت دراسة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة « الفاو» أن أسعار المواد الغذائية في العالم ارتفعت بنسبة 4% بينما ارتفعت في الأردن بنسبة 27%.
وفسّر الدكتور الحمارنة، أسباب هذا الارتفاع الذي بدأ منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بإتباع الحكومة لسياسة الاقتصاد الحر، إذ حدت هذه السياسة كثيرا من تدخل الدولة في الاقتصاد وبالتالي من دورها في ترشيد العلاقات في السوق الداخلية مما انعكس على ارتفاع الأسعار.
لا جهود حكومية لمواجهة تقلبات الأسعار
 ورأى الدكتور الحمارنة ، أن الحكومة لم تبذل جهودا حقيقية في مفاصل في الحياة الاقتصادية لمواجهة احتمالات التقلب في الأسعار، وخاصة ما يتعلق منها بأسعار الطاقة، مبينا أن الدول النامية غير المنتجة للنفط دعيت منذ سنوات عديدة الى البحث عن مصادر بديلة للطاقة التي هي أرخص وأضمن للبيئة كما أنها مصدر محلي يساعد على تكوين ذخيرة وطنية من الناحية الاقتصادية.
وأضاف إن إهمال هذا الجانب من قبل الحكومات المتعاقبة قد أدى الى النتيجة التي نشهدها اليوم، إذ يعد الارتفاع الضخم في أسعار النفط سببا أساسيا في العجز المالي الحالي، وكان من الممكن اتخاذ إجراءات لتخفيضه لكنها لم تتخذ سابقا.
وأكد أن الاقتصاد الوطني يمر بمرحلة «صعبة» تتمثل في كيفية سد عجز الموازنة، و مواجهة المديونية الخارجية العالية وتقليص عجز الميزان التجاري الذي ينعكس بالتالي على ميزان المدفوعات، موضحا أن هذه المؤشرات ستنعكس بشكل سلبي على قيمة الدينار، وقال :» لا تزال هنالك ضمانات بالمحافظة على قيمة الدينار المربوط بالدولار ، فالبنك المركزي لديه رصيد من العملات الصعبة وحاليا لا خوف على الدينار، وإنما الخوف من الوضع الاجتماعي والاقتصادي الحالي».
 
 لا مخالفة للاتفاقيات التجارية
وفيما اذا كان تدخل الدولة في اقتصاد السوق مخالفا للاتفاقيات التجارية الدولية، أوضح الدكتور الحمارنة أن هذه الإجراءات لا تخالف الاتفاقيات التجارية التي تستهدف إنهاء تدخل الدولة في السوق، وربطها بالمركز المالي الرأسمالي الواحد الذي يدير الاقتصاد، موضحا أن أمريكا كانت أول من تخلى عن هذا المبدأ بعد الأزمة المالية العالمية التي حدثت في 2008، من خلال لجوئها- الحكومة الأمريكية - الى أموال دافعي الضرائب وتأميم الكثير من البنوك المفلسة . الى جانب تراجع كبير من مختلف الدول الأوروبية عن متطلبات الاقتصاد الحر.

اتفاقيات الخصخصة
وحول الانتقادات التي وجهت مؤخرا لعملية الخصخصة، قال الدكتور الحمارنة إن الحاجة السيادية والاقتصادية للمملكة تستدعي مراجعة كامل اتفاقيات وإجراءات الخصخصة، مشيرا الى انه وفي حال لم يوجد في هذه الاتفاقيات ما يسمح بإعادة النظر فيها، فلابد من إعادة النظر بالعوائد المتحققة لهذه الشركات من خلال فرض ضريبة تصاعدية عليها .
 وبين أن الخصخصة في كل بلدان العالم تحولت لأداة لنهب لأموال الدول النامية، باعتبار ان الشركات التي يتم خصخصتها هي شركات خاسرة وغير منتجة للاقتصادات الوطنية، مبينا أن عوائد التخاصية في الأردن قد تم تصديرها الى الخارج وخسرت المملكة بشكل كبير منها.

رفع الأسعار
وبشأن القرارات الحكومية الأخيرة المتعلقة برفع الأسعار، قال الدكتور الحمارنة إن رفع أسعار الكهرباء والمشتقات النفطية ليس سياسة حكومية وإنما هو أحد متطلبات صندوق النقد الدولي الذي تقدم له الأردن مؤخرا بطلب لاقتراض 2 مليار دولار.
وأضاف هذه الارتفاعات أثرت سلبا على جيوب المواطنين فيما لم تؤثر على القوى الاقتصادية الأخرى التي تسهل تغيير أسعار السلع الارتكازية ( مياه، طاقة، وغيرها ...)، لافتا الى أن من الأجدى للحكومة أن تتخذ موقفا من المؤسسات المستقلة التي تشكل موازناتها نحو 900 مليون دينار سنويا، ودمج المؤسسات التي تتشابه في عملها، محذرا من التأثيرات السلبية لهذه القرارات على الحراك الشعبي الأردني .

الحلول المقترحة
 ورأى الخبير الاقتصادي أن لا خروج من الأزمة الاقتصادية الحالية التي هي تكرار لنتائج أزمة 1989 لكنها في ظل ظروف أسوء نظرا لتزامنها مع الأزمة المالية العالمية، داعيا في ذات الوقت الى إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية الكلية بشكل عام
وقال إن إعادة دور الدولة في الحياة الاقتصادية سواء في الاستثمارات أو السوق الداخلي، سيمنحها – الدولة- مجالا لممارسة دورها في جذب استثمارات تحقق تنمية متوازنة في المحافظات ، وهذا الأمر يتطلب- بحسب الدكتور الحمارنة – ما يسمى بـ ( تخطيط مكاني) لا يمكن لأحد أن يقوم به إلا الدولة باعتباره مكلفا من خلال استثمارات بعيدة عن العاصمة ومراكز النقل.
وتابع :» تدخل الدولة في الخطة الاقتصادية هو من اجل وضع اولويات للاستثمارات ، ما هي القطاعات او المواقع الى لها أولوية للاستثمار فيها وهذه الاولويات تقاس في كل بلد حسب ظروفه الآنية الملحة فيه»، مشيرا الى أن يحتاج لاستثمارات مولدة للدخل وفرص العمل ولها طابع اجتماعي.
وفي موضوع التخطيط، شدد الدكتور الحمارنة على ضرورة قيام الدولة بالبحث بإمكانية التعاون بين القطاعين العام والخاص لجذب استثمارات حقيقية وفقا للامكانات المتاحة وبحيث تذهب هذه الاستثمارات بالاتجاه الصحيح، لافتا الى تمتع المملكة بإمكانيات هائلة للاستثمار في قطاعات عدة منها الصخر الزيتي، توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، و النحاس، الذهب، وأملاح البحر الميت.
وبين أن 90% من الاستثمارات العالمية تبحث عن موطن لتستقر فيه، فنسبة ما يستثمر من الأموال في العالم لا يزيد عن 10% من إجمالي الأموال المدخرة ، مشيرا الى أن هذه الأموال غير المستغلة تعد سببا رئيسيا في ارتفاع حجم المضاربات في الأسواق الخارجية. لكنها تبحث عن استثمارات من خلال منظمات ومؤسسات دولية.
ووفقا للدكتور الحمارنة، لابد من دعم وتقوية بعض الصناعات التحويلية والصناعات الصغيرة والمتوسطة، كما يجب الاعتناء بالزراعة بشكل كبير ووقف الاعتداء على الأراضي الزراعية، الى جانب بذل الجهود لإنتاج زراعي يساهم في تحسين الأمن الغذائي .
فيما يخص الجانب المالي، طالب الخبير الاقتصادي بإعادة النظر في السياسة الضريبية التي تم فرضها بتوجيهات مؤسسات مالية دولية وخاصة ضريبة المبيعات والتي كان الهدف الأساسي منها إنهاء دور الدولة كليا أو جزئيا في الاقتصاد الوطني على اعتبار الضرائب المتأتية نتيجة البيع والشراء تتكون في السوق دون تدخل الدولة التي يقتصر دورها في هذه الحالة على حماية القوانين والأنظمة التي تضمن استمرارية الوضع.
 وأضاف إن السياسة الضريبية أدت الى زيادة في الثروات و إنهاء دور الدولة في السوق المحلي بشكل قطعي وتوجيه ضربة كبرى للحياة حتى السياسية ، موضحا أن الهيئة التشريعية لم تكن مطلة على القضايا الاقتصادية بل كانت دائما في قبضة السلطة التنفيذية.
وشدد على أن حل هذه الاختلالات يكمن في إعادة النظر بالسياسة المالية الضريبية و اللجوء الى الضريبة التصاعدية المنصوص عليها في الدستور الأردني، وزيادة الضرائب على الشركات والاستثمارات الأكثر ربحية مع إجراء مفاضلة لابد منها ذات طابع تشجيعي للصناعات المطلوب تطويرها وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأكد على ضرورة أن تلعب الدولة دورا في تخفيف العجز التجاري، إذ لا يجوز فتح الباب على مصرعيه لاستيراد جميع البضائع ومن مختلف الدول.