الفقراء في مواجهة الفقراء

تنتشر على صفحات الإنترنت هذه الأيام صور القمع الأمني لشباب المعارضة في جمعة ساحة النخيل التي مضى عام على حدوثها ، تذكِّرنا، إن نسينا، بالمشاهد المؤلمة للاعتداء على الناشطين السلميين الذين، لم تخرج شعاراتهم عن المطالبة بإصلاح النظام (خصوصا في تلك المسيرة).

في إحدى الصور يقوم 16 فرداً من الدرك ، انضم إليهم ، لسبب ما، شرطي سير، بالهجوم على أحد شباب الحراك، هو خالد الناطور، الذي يظهر منبطحاً على الأرض يحاول حماية رأسه من القنوات المتهاوية عليه بلا هوادة.

لعل أشهر صورة، والتي أصبحت مبعثاً للتندر، هي صورة رجل الأمن الذي حوَّل منقلاً لشواء اللحم إلى سلاح مبتكَر يشهره كالسيف في وجه المتظاهرين، و يخبط به على أجساد الناشطين – وعلى وجهه نظرة حنق غير مفهومة تماماً.

أقول ان النظرة غير مفهومة، لأنني أجد نفسي دائماً متعاطفة مع أفراد الدرك والأمن، وحزينة لأنهم جزء من الشعب الذي ينوء تحت وطأة غلاء المعيشة وفقدان الأمل بمستقبل واعد لعائلاتهم وأطفالهم.

أتعاطف معهم ، ولا أتكلم عن الشفقة هنا على الإطلاق، بل الشعور نابع من الاحترام لحقوق جميع أفراد المجتمع في حياة كريمة، ولأنهم جزء من الفئات التي تعاني بشدة من تداعيات الأزمة الاقتصادية، حتى لو كانوا أوفر حظاً نسبياً من المعدمين والعاطلين عن العمل، لكنهم يجدون أنفسهم في موقع معادٍ للذين يطالبون بالحقوق الشعبية في حياة أفضل، بما في ذلك حياة أفراد الأمن بكافة أقسامه وفروعه.

الظاهرة ليست محصورة في الأردن أو العالم العربي، فمن الولايات المتحدة الأمريكية إلى كوريا الجنوبية، مروراً باسبانيا، وغيرها من الدول الأوروبية، تستعمل النظم السياسية الفقراء لمواجهة الفقراء.

لا شك أن نظرة الحنق على وجوه بعض أفراد الأمن خلال المواجهات تدل على الإحساس، ولا أعرف إذا كانت قناعة مطلقة، بأن شباب وشابات الحراك يعادون وحتى يضرون بمصلحة الدولة، وأنهم، أي أفراد القوى الأمنية على قناعة تامة، بأنهم يقومون بواجبهم بحماية المواطن والدولة من ما يرون على أنه "عداء، إن لم يكن عدوان الناشطين وتماديهم في الاستهتار بهيبة الدولة واستقرارها".

يجب التذكير هنا أن دور رجال الأمن تنفيذي بالأساس، لسياسات بعضها معادية للإصلاح، وتهدف إلى شيطنة الحراك، وممارساته، مع ضرورة نقد بعض تلك الممارسات هنا وهناك – لكن بالإجمال لم يخرج الحراك الشعبي المنظم في الأردن عن طبيعته السلمية اللاعنفية.

إذ أن معظم الممارسات العنفية الطابع، إما جاءت كتعبير عن ردة فعل غاضبة على سياسات رفع الأسعار، لم يكن للحراك المنظم أي دور فيها، والأخطر منها هو التفشي الخطير للعنف المجتمعي واستعمال الأسلحة خاصة في الحرم الجامعي، التي أصبحت ساحة اقتتال بين الأفراد، تتوسع لأنها سرعان ما تأخذ طابع التناحر العشائري.

لا نستطيع إنكار، بل وتقدير، الدور المهم الذي قام ويقوم به أفراد أجهزة الأمن بحفظ سلامة المواطن ومكافحة الجريمة، مما أعطى للأردن سمعة البلد الآمن، لكن ذلك لا يعني عدم مساءلتنا لبعض السياسات التي أدت إلى تلك الصور المؤسفة في يوم النخيل وغيره، حيث يتم التعامل بعنف مع أعضاء الحراك السياسي، بينما نجد سكوتاً مطبقا على ظاهرة حمل الأسلحة وإشهارها، مثل ما رأينا في حالة النائب الحالي ضد نائب سابق، على الهواء خلال برنامج تلفزيوني، أو حتى استعمالها لأتفه الأسباب وأصغرها.
يتم السكوت على هذه الممارسات العنفية، وعن إدخال الأسلحة إلى الجامعات، ما دامت أسباب ودوافع الخلافات ليست سياسية، فالمطلوب إلغاء ومنع تسييس الشباب، لأن في ذلك خطراً على "الأمن والأمان"، لكن هذه الجهات نفسها التي تقرر مفاهيم الأمان، لا ترى في الانفلات والأعمال التي تخرق القوانين أي خطر يستدعي الحفاظ على القانون والأمن، لأن المعارضة لسياسات مثل فرض نظام انتخابي إقصائي، ورفع الأسعار هي "الأخطر على الأمن والأمان" من اشتباكات مسلحة ومشاجرات عشائرية !! .

من المؤكد أن الساعات الطوال التي يقضيها أفراد الأمن تحت حرارة الشمس وفي حالة تأهب، جمعة تلو جمعة، على امتداد أكثر من عام ونصف، أكثر من متعبة ومرهقة، خاصة في ظل التوتر السياسي الموجود في الأردن، عدا عن حالة غياب التواصل المجتمعي الذي يثير مشاعر الشك و الاستعداء بين مكوناته.

حادثة ساحة النخيل لم تكن منفصلة عن أحداث أخرى، مثل قمع اعتصام 24 آذار و الاعتداء واعتقال المحتجين على الدوار الرابع، وإن كان يجب الإقرار بالالتزام بالهدوء من قبل قوات الأمن في أكثر المسيرات ، لكن ونحن نستذكر 15 تموز للعام الفائت، نتخوف من السياسات التي لا نريدها أن تحول ذكرى الأماكن والتواريخ إلى ذكريات مؤلمة للقمع والاعتداءات .