من وحي المشهد الذي ظهر فيه يهدد الثوار بوصفهم « صيّع وتبعين حبوب»، خاطب قواته بأن يلاحقونهم «زنقة زنقة ..ودار دار» ..فكانت النتيجة زنقة ليبيا كلها، ثم ملاحقة القذافي نفسه والانتهاء من قصته بالطريقة التي شاهدناها.. ,من وحي هذا القول «زنقة زنقة» أكتب إسقاطا على «زنقاتنا» الصيفية التي لا تنتهي، والتي يظهر المواطن فيها مرغما على أداء دور لا يحبه، تهتز له أركان المسرح العام بشكل مؤسف حقا ، لكنه معروف ومشهود في الـ «الزنقات» وأدبياتها ..
الزحمة؛ هي أيضا نوع من «زنقة»، يحاول الـ «مزنوق» في أي زحمة أن يجد الخلاص بأي طريقة، حتى ولو كلفه الخلاص تنازلات من حجم ما، ولدينا في هذا الصيف ازدحام نوعي من أزمات وتحديات، نتغاضى عن رؤية بعضها هروبا، بينما لا يمكننا الهروب من الأخرى..
الموجة الجديدة من الهجرات الجماعية التي كان الأردن هدفا لها منذ عقود، أعني تدفق الأشقاء اللاجئين السوريين الى الأردن، هو «زحمة» لها تداعياتها واستحقاقاتها، والأردن صابر مثابر. وعطش الصيف في هذا العام زحمة، فهو يشتد في «زحمات» السياحة وعودة المغتربين الأردنيين لقضاء إجازة الصيف بين الأهل، ويصبح مشكلة كبرى حين ينضب الماء القليل أصلا..
ماذا عن «زحمة» الصيف في شوارع عمان؟ ..من أين تأتي كل هذه السيارات! الله «يعين» المعنيين بالمرور وأزماته والمارّين المستعجلين على مزاج المتنزهين الذين يستطيبون المسير في شوارع عمان، حتى نفاذ كمية الوقود في سياراتهم.. والأسعار التي تغلي وتعمل على تبخير محتويات الجيوب وربما القلوب، هي أيضا «زحمة» تسبب بها فاعلون وظروف عامة، وهي من أشد الزحمات وقعا على بطون الفقراء وعقولهم، خصوصا بعد عطش صيفي.. ورمضان الكريم، شهر الرحمة أعني، تتجلى فيه معاني الإصطبار على كل الزحمات والزنقات والعطش والجوع والفعل الممنوع.. اللهم كن في عون الصائمين. والجامعات والمدارس تقف في الطابور ، وتصطف خلف رمضان والعيد، وكان الحديث نمطيا عن هذه المواسم، لكنه في هذا العام سيكون أشد وطئا على الفقراء .. «شو بدهم يلحقوا لما يلحقوا»!
ماذا نقول عن عجز الموازنة العامة والرواتب الشهرية للموظفين والمتقاعدين؟! لا أريد التفكير بالموضوع، أريد ضمانات عبور آمن لزحمات رمضان والمدارس والجامعات ..
قد تبدو كل هذه التحديات والـ «زحمات» بسيطة مقارنة مع أزمات متعلقة بالاحتجاجات الشعبية والفئوية، التي تطالب بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد، حيث وصلنا لزحمة أكثر خطورة مما كنا نتوقع، خصوصا بعد إعلان المعارضين وغيرهم مقاطعة الانتخابات وعزمهم على رفع سقوف مطالبهم..
«زحمة..زحمة ولا عاد شي رحمة» !.أشعر بالاختناق في رئة هذا الصيف ..
لماذا تظهرين لي وسط كل هذه الزحمة..قلت لك :«أحبيني بلا عقد وضيعي في خطوط يدي» ..فافعلي.