الطيور المهاجرة

الطيور المهاجرة / محمد بدر
تعيش كثير من الأسر حالة من عدم الاتزان العاطفي والنفسي والاجتماعي مرده غياب عنصر أو أكتر من الأسرة غيابا طوعيا ، طلبا للعلم أو سعيا للرزق . تعددت الأسباب والغياب وأثره واحد . وأقصد هنا الأسرة النووية ، المكونة من أب وأم والأبناء . دون التقليل من تأثيرات هذه الحالة على الأسرة الممتدة .
هذه الحالة تنفرد بها منظومة الدول التي أُطلق عليها مجاملة دول العالم الثالث . وللعلم ليس هناك عالم رابع . وتقل في الدول الأكثر تحضرا . حيث الدولة تعرف دورها تجاه المواطن وتلتزم بتلبيتها وتحاسب عليها . فهي توفر التعليم المناسب وبتكاليف مناسبة لطالب العلم ، فعندها تنتفي الحاجة للذهاب لطلب العلم في مناطق مختلفة من العالم ، الا في حالات خاصّة تقتضيها المصلحة .
كذلك فان البطالة وارتفاع نسبتها ، خاصة بين الشباب هي السّمة الغالبة على هذه الدول . ومن العجب أن البطالة طالت بعض المهن والتخصصات التي كانت مطلوبة بشدة سابقا كالطب والهندسة والتمريض والتعليم . وان وُجدت فرصة العمل كانت ظروفها ومردودها غير مناسبة ، ولا تمكن الفرد من تأمين أساسيات الحياة . خاصة عندما يكون الشاب في مقتبل الحياة وهو بحاجة للزواج وتكاليفه والبيت ومتطلباته . أو رب الأسرة صاحب العيال من أجل توفير المال اللازم لتعليم الأبناء وتأمين مستقبل أفضل لهم .
هؤلاء الذين غادروا الوطن من أجل العمل أو العلم ، هم سفراء الوطن في المجتمعات الجديدة ، وسيلة جيدة للتقارب بين الحضارات ونقل الخبرات والقيم مما يؤدي للتمازج الثقافي والأجتماعي . ويساهموا في نهضة وتطور تلك المجتمعات . وهم أيضا مصدر رئيس للدخل لأسرهم وللوطن .
جزء من هؤلاء الأحباب يعودون الآن الى أحضان عائلاتهم ليقضوا اجازتهم في ربوع الوطن وبين أهلهم وأحبتهم ، يحملون شوقهم وعواطفهم وشيء من معاناتهم في ديار الغربة ، يغسلون تعب الأيام وأرق الليالي . يكحلون عيونهم برؤية وطن يريدونه بأحسن حال يخلو من الفساد ومظاهره . ومواطن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، فمناظر الحرائق والمشاكل المتنقلة تسؤوهم وتحرجهم عندما يعودون ويُسألون عن هذه الأحداث ، فالعالم أصبح قرية صغيرة فوسائل الأعلام تنقل مباشرة ما يحدث في أي مكان . وهذا لا يصب في مصلحة الوطن ويعطي للآخرين انطباعا يجعلهم يُحجمون عن الأستثمار والسياحة بل والمعونة . فرفقا بالبلد وأهله الطيبين ومستقبل أبناءه . لهؤلاء الأهل العائدون حللتم أهلا ووطئتم سهلا تحفكم عناية الرحمن وتحوطكم قلوب أهلكم ومحبيكم . فالشوق لكم كبير والحب لكم أكبر .
أما الذين أقتضت ظروفهم أن يبقوا حيث هم على رأس عملهم ، اننا معكم بعواطفنا ساعة بساعة ، فأرواحنا تطوف حولكم وقلوبنا التي سكنتموها تدعو الله أن يحفظكم وبرعاكم ويحرسكم بعينه التي لا تنام .نفتقدكم والغصّة في قلوبنا ، فاليوم الأول من رمضان فيه جرعة كبيرة من الحنين ،تمتد أيدينا بلقمة لتضعها بأفواهكم . في أعماقنا ما تحبون وما تكرهون وأين تجلسون وكيف تتصرفون . فكل ما حولنا يُذكرنا بكم ، فكيف ننساكم وهل ينسى الأنسان أسمه أو نفسه ، والى أن نلتقي نستودعكم الله .