إبراهيم العجلوني – المثقف النادر
لا شك أن الثقافة أكبر من كل شيء وأن الإصلاح الحقيقي يجب أن يبدأ من هنا. فالمثقفون مثل هذا العلم هم الأولى بالرعاية وبهم تصلح الأمة. هاتفته قبل مدة وكان في صوته رنة أسى ووجد، قال لي بعد السؤال عن صحته : غداً سأجري أو ستجرى لي العملية الرابعة للعيون، -عافاه الله-، وها أنا أملي ما أكتب في الرأي على الزوجة- فأنا أشبه بطه حسين، لأني أعيش في شبه ظلام وأتحاشى الضوء، فذكرني بسجون المعري الثلاثة- عافا الله إبراهيم من ذلك-، وقد شجاني قوله كما شجا برق المعرة أبا العلاء في رحلته البغدادية، حيث قال : سرى برق المعرة بعد وهن: فبات برامة يصف الكلالا. شجا ركباً وأفراساً وإبلاً: وزاد فكاد أن يشجو الرحالا فلك الله يا إبراهيم وحق لك الشجو ومضاهأة (تكثر هذه العبارة الأخيرة في كتاباته) اقتباساً من القرآن الكريم الذي قال لي، إنه يقرأه فقط هذه الأيام، أبي العلاء المعري وأبي حيان التوحيدي وطه حسين من بعد، فكراً وثقافةً عميقين. فكم كتبت عن آثار السلف الصالح من علماء وفلاسفة ومؤرخين، كما كتبت عن أعلام من الغرب لهم اليد الطولى في إعلاء شأن أممهم بأسلوبك المميز الذي يصدق فيه قول بشر بن المعتمر صاحب الصحيفة المعروفة :» ...وإياك والتوعر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معاتبك، ويشين ألفاظك، ومن أراغ معنى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهججّنهما. وأن يكون لفظك رشيقاً عذباً، وفخماً سهلاً، ويكون معناك ظاهراً مكشوفاً وقريباً معروفاً، إما عند الخاصة، إن كنت للخاصة قصدت، وإما عند العامة إن كنت للعامة أردت. وأخيراً ما أصعب الكتابة عن الأحياء، وخاصة إذا كان يشتم منها رائحة المصلحة، ولكنها قد تسهل حين تتناول علماً مثقفاً ثقافة غزيرة نادرة يتسم بالطيبة والسهولة الممتنعة في حياته وأسلوبه، ولا سيما وهو لم يتقلد منصباً لأن الثقافة العالية أكبر من كل المناصب وهي الجديرة بالاحترام.