مهلاً دولة الرئيس

تصريحات رئيس الحكومة في مقر جمعية الشؤون الدولية مفاجئة وغريبة خاصة وأنها تصدر من رئيس حكومة هو ليس بالأساس جديدا على العمل السياسي وليس بعيدا عن التحديات الوطنية والسبل الحكيمة والرشيدة في التعامل معها .

تصريحات الرئيس حملت في طياتها مفهوم الفعل ورد الفعل ولكنها للأسف جاءت منفعلة عكست الأزمة التي تعيشها الحكومة خاصة في دورها الحالي وموقعها الذي أدركه الرئيس ولكن متأخرا .

الرئيس الذي لم يتردد بالكشف عن استيائه الكبير من بعض المواقف السياسية التي تمت بعيدا عن فلك الحكومة كالتباحث بين الجهاز الأمني والإخوان وكذلك زيارة مشعل التي لم يكن للحكومة دور فيها كما اعلن ذلك وزير الشؤون الإعلامية هذا إضافة للموقف المحرك الذي وضعت به الحكومة نفسها بعدم دفاعها أساسا عن قانونها الانتخابي الذي أرسلته للنواب في المرحلة الأولى ومن ثم أعادته بأمر من الملك .

يطالعنا الرئيس اليوم بأن مهمته الأساسية هي كف أيدي الأجهزة الأمنية عن التدخل في العملية الانتخابية جنبا إلى جنب مع ارجاع موقف الإخوان السياسي من قانون الانتخاب لتصدير لهيب الخلافات الداخلية للإخوان.

وللأسف الشديد فإن مثل هذه التحليلات وتليها الاستنتاجات لا يمكن أن تكون من رئيس حكومة لأنه الأكثر معرفة ببواطن الأمور .

الحكومة في الأساس هي صاحبة الولاية العامة حسب مقتضى المادة 45 من الدستور وبالتالي الأجهزة الأمنية هي جزء من ولايته ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يقوم الرئيس بالقاء مثل هذه القنبلة في موقف الأجهزة الأمنية من موضوع التدخل بالانتخابات، بل لتأكيد التشكيك بدور الهيئة المستقلة للانتخابات وقدرتها في إدارة انتخابات نزيهة . وهذا بدوره سيؤثر في مصداقية العملية الانتخابية وتفاؤل الناس بمستوى عال من النزاهة والشفافية التي من دونها سيحدث ما نحذّر منه ونخشاه ، بل ما يمكن أن يكون سببا في انفجار الوضع انفجارا غير محمود النتائج .

الرئيس الذي يمكن تصنيف ما قاله في باب شراء البطولات سينقلنا مرة اخرى إلى عالم الشك وتأكيد ما يحاول المشككون بالإصلاح الأردني تأكيده ومنذ أمد بعيد .

الرئيس لم يقم بالتعامل مع مسؤولياته التي منحه إياها الدستور بشكلها الطبيعي . بل ذهب للإعلام لخلق حالة لا يمكن أن تكون مفيدة لا للحكومة ولا للأجهزة ولا للوطن فلماذا يا دولة الرئيس؟
كنا نتمنى على دولة الرئيس أن تكون زياراته للمحافظات ليست لتلبية مطالب شخصية واستعراض المناسف، ونحن ننادي بشد الأحزمة على البطون ، كنا نتمنى أن تكون الزيارة ضمن برنامج عمل يستمع فيه الرئيس للناس والتعرف على مشاكلهم وتنفيذ ما يمكن وبكل وضوح وشفافية. وكان من المفروض على الرئيس ان يجتمع مع مختلف التيارات والاتجاهات والحراكات ويحاورهم ويناقشهم بصوت عال حيث لا شيء نخفيه ، نعم لقد كَفَت صحيفة العرب اليوم الرئيس ووزرائه هذه المهمة فطافت المحافظات والألوية واستمعت للناس وحاورتهم حتى في الخطوط الحمر التي تخشى الحكومة الحديث عنها، فلم يجد فريق "العرب اليوم" وبحواره الصريح مع الناس ما يضر الوطن أو القيادة أو المواطنين ، بل كانت جرعات وطنية عالية الدور تريد من يسمعها ؟! . قدمتها " العرب اليوم" للحكومة على طبق من فضة علّها تجد أولا من الحكومة من يقرأ، وثانيا ؛تنفيذ ما يطلبه الناس ولكن ما زلنا نعيش حالة أذُنٍ من طين واخرى من عجين . .

نتساءل لماذا مُنع الرئيس من دخول عقر داره ؟ وهل تكره الام ابنها ؟ بالضبط كما فعل أبناء الصريح الذين رفضوا الزيارة التي فهموها على انها رسالة موجهة . لم يكن رفض المواطنين لزيارات الرئيس قائما على موقع دولة الرئيس ولا مجرد قانون الانتخاب سيىء الذكر بل من المواقف التي لم ترتق بها الحكومة لتطلعات أبناء الوطن ومحاولات تهميش دورهم في صنع قرارهم الوطني ،دعونا نقلْها ونشخّصها إذا اردنا بالفعل البدء بالإصلاح بقاعدة ثابتة
.

دولة الرئيس؛ تمهل! فليس هكذا تُورّد الإبل وليس هكذا تساق العيس ، فدور الرئيس في هذه المرحلة يحتاج إلى أن يكون جسرا نعبر منه لشاطىء حِراكه مطلبي ولون نظارته تفاؤلية وصوته اخفض من أن يسمع من حوله .

أقولها وأنا ابحث للرئيس عن عذر يقنعني بأن ما قاله سينتهي معناه في حدود الكلمات ، وما قام به في الصريح سينتهي عند مستوى الدعوة . لا نريد لرئيس حكومتنا أن تتكرر مواقف رفضه لأن في ذلك اشعالاً لمزيد من الحرائق التي نحن في هذا الوطن بغنى عنها والله من وراء القصد سيدي الرئيس .