العنف الطلابي يعكس حالة الدولة والمجتمع

ما حدث في الحرم الجامعي في مؤتة حدث ويحدث في الجامعات الاخرى، خاصة الحكومية، الظاهرة ليست وليدة اليوم، المشاجرات الطلابية التي ترفع فيها ألوية الحمايل والعشاير اصبحت جزءا من ثقافة مجتمعية نرى مظاهرها في الاحياء والمدن والأرياف سواء هناك جامعات ام لم يكن، ومجتمع هذه هي صورته كيف له ان يصبح مجتمعا مدنيا ! وعلى اي اساس يطالب بدمقرطة النظام اذا كانت الولاءات العشائرية الضيقة والهويات الفرعية اهم من الولاء والانتماء الوطني ! الديموقراطية تقام من القاعدة الى القمة والمجتمع المدني هو الذي يبني نظام العدالة والقانون.

يجب ان لا نضع اللوم على الطلبة فقط، العنف الجامعي هو ثمرة سياسات وعادات اجتماعية خاطئة مستمرة منذ عدة عقود. الحكومات بنت الجامعات في كل محافظة وحتى في الاحياء وعلى جوانب الطرق الخارجية، معظم هذه الجامعات بني تلبية لمطالب جهوية وليس في اطار الحاجة الوطنية في تنمية الاقتصاد والمجتمع بهدف اقامة الدولة الحديثة.

هذه او تلك من المحافظات تغار من المحافظة المجاورة لها لان فيها جامعة فتأتي حكومة تبحث عن الرضى فتلبي طلبها، على طريقة ( جامعاتنا عزوتنا)، بالنتيجة اصبح المجتمع الطلابي داخل الجامعة امتدادا للمجتمع العشائري حولها، بسلبياته وليس بفضائله التي فاخر بها الاردنيون، تلك العشائرية التي انصهرت في الجيش العربي وانخرطت في بناء الدولة من نقطة الصفر.

قبل عشر سنوات كتبت معترضا على اقامة جامعة شاملة لكل التخصصات في معان عندما قررت الحكومة البدء بإنشائها، طالبت بان تكون الجامعة ذات تخصص او اثنين، ان تكون جامعة لتكنولوجيا المعادن والمصادر الطبيعية لانها تقع بالقرب من مصادر الفوسفات والبوتاس والنحاس الخ، جامعة شبيهة بكلية المعادن والثروة البترولية التي أقامتها السعودية في مدينة الظهران عاصمة النفط السعودي والتي هي الان من اشهر الجامعات في الشرق الاوسط.

فكرة اقامة الجامعات على قاعدة التخصص ومن وحي البيئة الطبيعية والاقتصادية من حولها لها فوائد جمة اهمها جذب الطلاب من مختلف أنحاء المملكة ومن العالم العربي من حولنا الذين يرغبون بدراسة الاختصاص الخاص بالجامعة المعنية مما ينشئ فيها بيئة اجتماعية متنوعة ومتعددة تغذي عقول الطلبة وتوسع مداركهم وخبراتهم الاجتماعية والفكرية.

كما انها ترفد المجتمع المحلي من حولها بالتنوع الثقافي والاجتماعي الذي يحمله الطلبة من باقي المناطق والمدن الاردنية.

عندما يقضي اغلبية الطلاب في المحافظات حياتهم الدراسية من الابتدائي الى الجامعي في نفس المدينة او المنطقة فانهم يظلون أسرى لبيئتهم الخاصة، حيث اصبحت الجامعات مثل المناطق الصناعية في المحافظات التي لم تنجح في خلق صناعات جدية ولا هي حلت مشكلة البطالة.

انشاء الجامعات امر مهم لكن توزيع التخصصات عليها كان أجدى وأنفع للدولة والمجتمع لان من شانه لوحدث أن يخلق حالة من التبادل الطلابي عبر المحافظات ومع العاصمة والمدن الكبرى.

البحث في مسألة العنف المتفاقمة في الجامعات تحتاج الى حلول جذرية، لكن قبل ذلك ان تكون هناك مصارحة وشفافية عند البحث في أسبابها ومن يتحمل مسؤولياتها، مثل الاعتراف بأن السياسات الرسمية والأمنية في التدخل بالنشاط الطلابي تحت شعارات التصدي للأحزاب والانتماءات السياسية، الاسلامية واليسارية وغيرها، قد اعتمد على تنمية النزعات العشائرية والإقليمية والجهوية، اي تنمية الهويات الضيقة على حساب الهوية الوطنية الجامعة.

فتحولت الجامعات من مراكز لتنوير وتطوير ثقافة المجتمع الى مصنع لإعادة انتاج عادات اكل الدهر عليها وشرب. وأخيرا أتساءل: اذا كنا بالفعل نفخر بالعشائرية ونمجد قيمها النبيلة، فلا عشائرية بدون وجود وجوه لها يحترمهم الصغير قبل الكبير اين هؤلاء في مواجهة ظاهرة العنف بين صفوف أبنائهم ؟