توجان فيصل تكتب....من أكل من ؟

اخبار البلدد_ مع ثبوت أن الغالبية الساحقة من الشعب الأردني منخرطة في الربيع الأردني مباشرة أو تُباركه، تجلّت أزمة الحكم في سؤال مذيعة في التلفزيون الرسمي: "أين رجال الدولة ؟"، الموجّه لضيفيها، عبدالرؤوف الروابدة رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس تحرير يومية " الدستور"، ما جعل عبء الإجابة يقع على كاهل الروابدة المثقل بامتيازات ومنافع "رجل الدولة " .. فجاء ردّه الحزين، على غير عادة الروابدة المشهور بنكاته، ليقول " أكلناهم أكل عزيز مقتدر، بحق وبدون وجه حق " .. والروابدة حين يتلبّس الجدّ، والحزن استثناء، يقصد الإشارة لكون ما لا يقال أبعد مما يُقال .. واشتهر عنه توظيفه المثل الشعبي،" اللي بيعرف بيعرف، واللي ما بيعرف بقول كف عدس" في شأن فساد حكومة أبوالراغب .. ورغم إلإلحاح عليه، لم يقل الروابدة ما يعرف، مع أنه تحدث يومها كنائب تحت القبة . فتلك صفقة السكوت المتبادل بين "رجال الدولة " .



ولكن " جلال " الحزن الذي أراد الروابدة إسباغه على المشهد، يستلزم الرد بجدية على " من أكل من"، وأين" أوجه الحق" تلك . ونبدأ بمن يسمون " رجال دولة " فيما هم رجال حكم عرفي صريح جرى تغليفه باضطراد مبالغ فيه بغطاء " ديمقراطي "، وصل لمباهاة مدير المخابرات السابق،المعيّن عضوًا في مجلس الأعيان، بدوره في تزوير مجلس النواب الحالي ..ومن قبله باهى " العين " ومديرالمخابرات الأسبق نذير رشيد بتزويره انتخابات عام 97 عندما كان وزيرا للداخلية،امام وفد عربي زائر برئاسة وزير، ونشرت اعترافاته وتفاصيل "الحرج" الذي وقع فيه الوزير الزائر، في كتاب لدبلوماسي أردني يباع في عمان .. ولم تجر إقالة أي من " العينين ".



" هكذا يتحدث " رجال الدولة . ولو جمعت أحاديثهم في كتاب لفاقت مبيعاته كتاب" هكذا تحدث زرادشت" . فمما قاله "رجل دولة " بالوراثة ( عن عمه ووالده ) شاع أنه استدعي للتحقيق في قضية "سكن كريم " (إسكان للفقراء أخذ المتحدث جزءًا كبيرًا من عطائه وهو وزير أشغال ففشل المشروع باعتراف رسمي وكلف الخزينة مئات الملايين )، بوجود جمع من الصحفيين انه لا يمكن استدعاؤه لأنه محمي بأكثر من ألف رجل مسلّح، في إشارة لميليشيات مسلحة تملكها " العائلة " تحت مسمى " شركة أمن وحماية " .. ولم يجر نشر تهديده، فذلك كان قبل اندلاع انتفاضة الربيع الأردني بأشهر.. ولكنه يؤشر على حتمية اندلاعها بدفع محلي، وليس اقتداء بانتفاضات عربية أخرى كما يحاول رجال، و"مرابعيّة"، دولة ان يزعموا.



تصنيع "رجال الدولة" تجلّى في العام 1962، حين جرى حل آخر مجلس نواب منتخب بنزاهة بعد ستة أشهر من انتخابه، كونه لم يعط الثقة لحكومة سمير الرفاعي الذي جاءت به وبعائلته سلطة الانتداب البريطاني من صفد لإمارة شرق الأردن " ليُشاركوا في الحكم "، حسب النص الحرفي لمذكرات عبدالمنعم الرفاعي.. ويُضاف للمظاهرات التي قامت ضدّ حكومات سمير الأول، أن استلزم خلع الابن زيد والحفيد سمير الثاني انتفاضتي نيسان 89، والربيع الأردني 2011 .. ومع ذلك كلاهما موجود في الحكم بأكثر من رجال دولة عديدون يستعادون للواجهة، كما في حالة حكومة البخيت والحكومة الحالية، لأنهم مستعون لقول " أنا فعلتها"، فيما فعلوه وفيما لم يفعلوه .



ومنذ العام 62 باتت المواقع والمناصب "مكارم" توزع، وندرة من تمكنوا من الوصول، مخترقين هذا التزويرالصريح، لمواقع منتخبة . ومن عاد منهم للموقع يمكن الجزم بانه انضم لـ " رجال الدولة " ولم يعد "رجل الشعب". فالشعب محذوف من تعريف "الدولة" عندنا، ولهذا استصرخت المذيعة " رجال الدولة "، لمواجهة الحراك الشعبي الجاري.



أما "رجال الدولة " بحق، فجميعهم في صف الحراك، وبعضهم يتصدّر مواقع قيادية فيه، أبرزهم دولة الأستاذ أحمد عبيدات، صاحب أول مشروع قانون " من أين لك هذا؟ ".. وهو ما أدّى لعزلة نهائيًّا عن رئاسة الوزراء وأية سلطة "تنفيذية".. كما جرى عزله عن السلطة الشريعية (الأعيان ) أيضًا لموقفه المتوافق مع الشعب من اتفاقية وادي عربة ..



البقية أغلبهم " شياطين خرس "، ليس لصمتهم الآن، بل لصمتهم على كل ما جرى للوطن على يدهم أو بمعرفتهم .. والسؤال يرتدّ على الروابدة ولكن في صيغة جديدة : من أكل من وماذا في هذا البلد ؟