في وطننا الآن .. ما يجب على ( الإخوان ) ؟



الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس أجمعين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .

أمّا بعد

فلم تكن الأحداث التي تعصف – اليوم - ببعض ( ديار الإسلام ) عصيّة على فهم أهل العلم ذوي النظر الثاقب من أهل السنة والجماعة ؛ فإنّ المتتبع – بإنصاف ووعي - لأقوالهم وتقرير اتهم وتقديراتهم منذ أن طلّت الفتن برؤوسها ؛ يدرك جيّداً أننا ( أمّة الإسلام ) أحوجُ ما نكون للإتمام بهم ومتابعتهم في الحقّ الذي يدعون إليه : درء الفتن عن الأوطان ، وحقن دماء المسلمين في كلّ مكان ؛ وما حُمْنا حوله كثيراً – سابقاً - لبحث هذا والتأصيل له ؛ يعلم من تحرّى الحقّ أننا ما رغبنا فيه عن الدليل وأهله ؛ وإن كان جُلُّ المقالات لا يخلو من إدراج أقوال علمائنا ومشايخنا فليس هذا من قبيل الاستدلال بهم ؛ ولكن ثقةً بمنهجهم العلمي الراسخ والذي غدا قِبلةً لمن أراد الخروج من ( دوامة الحيرة ) في فتن هذا الزمان ، والخلاص من التردد بين المذاهب والاتجاهات الفكريّة عامّة .

إنّ منهجهم العلمي المُشار إليه يقوم – أساساً – على تعظيم ما ملكَ أصحابُ النبي – عليه السلام – من العلم والفهم ، وجعله سبيلاً لمعرفة المُراد من نصوص الكتاب والسّنة ؛ وأمّا ما يخصّ فتن اليوم فمنهجهم يستند – إضافة للأصل المذكور – على النظر في العاقبة والمآل لأي عمل أو فعل أو قول يُقصد به أمرٌ بمعروف أو نهيٌ عن منكر ؛ وهو ما يعرف بـ ( تقدير المفاسد والمصالح والموازنة بينهما ) والذي يُعدّ أصلاً من أصول الشريعة عند أهل السّنة والجماعة على مرّ الأزمنة .

وفي وطننا الأردن – حماه الله تعالى – تحرّكت ثمّ تجمّعت ( قوى حزبيّة ! ) وشبابيّة مع بدايات ( الربيع العربي ! ) في بعض البلاد الإسلاميّة ؛ كان ( الإصلاح ومحاربة الفساد ) هو شعارهم المُعْلن الظاهر ؛ لكنّ هذا لم يمنع البعض من الارتياب ، والتشكيك في المقاصد لأسباب كثيرة أهمها محاكاة الأساليب والوسائل التي استعملها ( المعارضون ) هناك ، إضافة إلى قيادة ( جبهة العمل الإسلامي ) للحراك ؛ وهي جزء من جماعة ( الإخوان المسلمون ) ؛ والتي كان لها دور كبير في التخطيط والمشاركة في بعض ( الثورات الشعبيّة ! ) في ( دول الربيع ! ) والغايات التي سعت إليها ، ناهيك عن مسلكهم ( التصعيدي ) الذي ينافي ( سلمية الحراك ) التي تنادوا بها في مظاهراتهم على مدى الشهور المُنقضية .

ومع ( تأكيد الجماعة ) – هنا - على عدم ارتباطها بأيِّ ( أجندة خارجية ) في مطالبها، وحراكها الشعبي ، وتحديدها السقف والمدى لهما ؛ ينبغي لنا الآن – لحلحلة العقدة معهم – أن نقبل تأكيداتهم ( المُستمرة ) ، ونغض الطرف عن كثير من التجاوزات والأخطاء التي صدرت من ( بعضهم ) خاصة في الشعارات المرفوعة أثناء مسيراتهم الأسبوعيّة ، وغيرها من ( الفعاليات ) ؛ وهذا مشروط – ضرورةً – بعدة أمور ( علميّة وعمليّة ) تكوِّن إطاراً شرعيّاً يحفظ علينا أمننا ، ويصون – من العبث – وطننا ، ونحقق من خلاله – بإذن الله - الإصلاح المنشود ، ونقضي على آفة الفساد المُستشرية بين المسلمين ؛ وكلّ هذا يلزمه إخلاص النيّة لله تعالى ، والعزيمة الصادقة ، والصبر على المصاعب وعدم استطالة الطريق ؛ فنقول :

أوّلاً : الأردن بلدٌ أسبغ الله عليه نعمة الأمن والاستقرار ؛ وهي نعمة عظيمة لا يعلم أثرها وفضلها – على وجه الإدراك والوجْد - إلا من فقدها ؛ ولذا فعلى ( الإخوان ) العمل لصون هذه النعمة ، والمشاركة بحفظها على المسلمين ؛ وهذا لن يكون منهم إلا بترك ما من شأنه ( زعزعة ) الاستقرار ، و ( زحزحة ) الأمن ؛ وعلى رأس ذلك : المظاهرات ، والاعتصامات ، والإضرابات ؛ واستبدالها بالحوارات ، واللقاءات ، والخطابات الشرعيّة ؛ فهذا { خيرٌ وأبقى } ، وأهل العلم على أن مفاسد المظاهرات المحتمة أكثر من المصالح المحتملة ؛ والواقع يصدّق هذا ، ولولا فضل الله علينا أولاً ، ثمّ ( حكمة العقلاء ) من بعدُ ؛ لوقع بيننا – بسبب المظاهرات والإضرابات - ما لا يُحمد عقباه .

ثانياً : وليُّ أمرنا ( ملك البلاد ) – وفقه الله للخير – لا ينتهج مع رعيّته أسلوب البطش والتسلّط ، أو التعذيب والقتل ؛ بل هو – حفظه الله تعالى – ليّن ، متواضع ، قريب من الناس ؛ وهذا – أيضاً – من نعم الله على العباد .. يدخل الطمأنينة والراحة في أنفسهم ، ولا يهابون مُخاطبته ، أو قول رأيٍ في أمر عام ‘ أو الاعتراض والتظلّم ؛ ولذا فعلى الإخوان ( دعاة الإصلاح ) اغتنام هذا بالتواصل مع وليّ الأمر ، ومشاورته ‘ والتناصح معه .. ؛ ففي هذا خيرٌ وسلامة للمسلمين ؛ وخلاف هذا من التطاول ، أو تجاوز الحدّ في الخطاب مع وليِّ الأمر يُفضي إلى شرّ عريض ؛ لا يترك منا أحداً ، ولا ( يُصلح ) لنا من الأمر شيئاً أبداً .

ثالثاً : إنّ علماء الإسلام هم ورثة الأنبياء ؛ يُعتدّ بهم في وقت اشتداد الفتن ، يبيّنون للناس الحقّ ، ويهدونهم سُبُل السلامة والنجاة ؛ ويوم أن ضيّعت الأمة علماءها نكست و كبت ، واجتمعت عليها الشرور وتكالبت ، و والله ما رأيت بلداً - قطّ - استخفّ أهلها بعلماء السّنة ؛ إلا وأذاقها الله { لباس الجوع والخوف } ؛ ولذا فعلى ( الإخوان ) جعل العلماء ( مرجعيّة وحيدة ) لهم ؛ يأخذون منهم العلم الشرعي القائم على الكتاب والسنة ، وأقوال الأئمة ، ويسلّمون معهم للدليل ؛ لا للانفعالات الحماسية ، ولا للضغوطات أو التأثيرات ( السياسيّة ) .
وأمّا ما كان من ( ردٍّ ) أو ( نقْدٍ ) لمذهب فقهي في ( مسألة سياسيّة ) أو نازلة ؛ فليكن مُستنداً على العلم الصحيح ، وليس على ( التسفيه ) ، والطعن ، أو التجريح ، والاتهامات الجُزافيّة أو القصص الخرافيّة ؛ فهذا ضعفٌ في الرّادّ ، وسُخْفٌ في الناقد ؛ والمسلم أخير له أن يربأ بنفسه عنهما .

رابعاً : { ظهرُ الفسادُ في البرِّ والبحرِ بما كسبت أيدي الناس } .. فسادٌ في العقيدة ، والنيّات ، والإتباع ، وعمل الآخرة ... ؛ ومردّ ذلك كله مرض الشبهات ، ومرض الشهوات ؛ وأيّ دعوة إسلاميّة اليوم – إذا ما أرادت الخير للمسلمين – ينبغي لها سلوك طريق التصفية والتربية في جميع جوانب الدين ( تصفية الدين من الشوائب ، وتربية الناس عليه بعد ذلك ) ؛ وعدا هذا حرْثٌ في الماء ، وسباحة في الهواء .
ولمّا كان للإخوان المسلمين كثيرٌ من الجمعيات ودور التحفيظ ؛ فإنّ عليهم استعمالها في إعداد جيلٍ يسير على منهج سلفنا الصالح : يُعلي شأن التوحيد ، ويعظّم السنة ، ويحارب البدع بسلاح العلم الشرعي واكتناف العلماء ؛ فلا تكون تلك الجمعيات ودور التحفيظ مجرّد أماكن للتجميع ، وتكثير سواد الجماعة ، وتعليم الأناشيد ، والمُخيّمات ؛ فهذا لن يزيدنا إلا تفرّقاً وتغرباً .

خامساً : إنّ الأمة ليحدق بها خطر الشيعة الروافض من كلّ مكان ؛ وما منا من أحد إلا ويعلم فتنتهم في المسلمين ؛ ما يوجب علينا الكثير من الأعمال التي من شأنها إظهار حقيقة عدائهم لأهل السنة ، وتحذير العوام من خطرهم ؛ وعلى الإخوان المسلمين – بحكم علاقاتهم السابقة بالشيعة – التعاون الكامل في تلك الأعمال ، وكذلك إعلان البراءة منهم على منابرهم ووسائلهم الإعلاميّة .

سادساً : هذا إذا ما أرادوا – في الدّين والدنيا – الإصلاحَ والفلاح ، وفي الآخرة الفوز والنجاح .

هذا .. والله – تعالى – أعلى واعلم


أسأل الله – جلّ في علاه – أن يهدينا سبل الرشاد ، وأن يجنّب ديار الإسلام الفتن والقلاقل ، وان يوفق ولاة أمورنا لما فيه خير البلاد والعباد ، اللهم احفظ بلدنا الأردن من كلّ سوء وشرّ ، ووفق ملك البلاد عبد الله الثاني بن الحسين لما تحبه وترضاه .


وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين