اخبار البلد _سامر الزبيدي
سألت نفسي : هل ثمة رابط بين عودة العنف المجتمعي والجامعي وبين تراجع حضور الحراك الشعبي والشبابي في المحافظات؟
ربما هناك من يستنكر الربط بين الظاهرتين لكنني اجد بينهما حبلا سريا يجعلهما مترابطين بحيث ان غاب طرف حضر الطرف الاخر، ففي اوج النشاط الحراكي اختفت الاشكال العنفية المنفلتة من عقالها سواء في الارياف او في الجامعات اذ كان النشاط الحراكي السياسي يمتص فائض الغضب الشعبي ويفرغه على شكل احتجاجي راق وحضاري وبشعارات تعلو وتهبط لكنها سياسية في مطلق الاحوال ولا تترافق مع أي مظهر من مظاهر العنف ثم ما لبث العنف ان تسرب الى الحراك سواء في الشعار السياسي او في السلوك الميداني الى ان اضمحل الشكل القديم من الحراك لتعود الاشكال العنفية لتتسيد المشهد فالاحتجاجات الاخيرة على انقطاعات المياه لم تكن سياسية بل منفلتة من أي عقال وكأنها ليست موجهة ضد سياسات قاصرة بقدر ما هي ضد الدولة كوجود فيزيقي.
من تمنى وأد الحراك لم يكن ليعي ان هذا الشكل الاحتجاجي مظهر ايجابي يمكن التفاهم معه سياسيا ومن خلال طاولات الحوار، لكن حالات الغضب المنفلت من كل عقال يستحيل التفاهم معها وبالتالي ستشكل عبئا إضافيا على المؤسسة الأمنية بكل تنويعاتها فالغاضبون غير السياسيين يصعب الوصول معهم إلى تفاهم بعكس المسيسين الذين يتقنون ادبيات الحوار.
قبل السابع من كانون الثاني العام 2011 أي طوال عام 2010 كان العنف المجتمعي يضرب بشكل متنقل بين البوادي والأرياف والجامعات لكنه هدأ تماما مطلع العام 2011 حتى اختفت الظاهرة وبرز بدلا منها حالة احتجاج سياسي ممثلة بالحراك اتسمت بالسلمية وباتزان الشعار السياسي وبدلا من الوصول الى منتصف المسافة مع الحراك جرى القفز عنه بل وبذلت محاولات لتحجيمه في وقت كان يمكن ان يكون مناسبة لإزالة الاحتقان بشكل منظم وسياسي، لكن عاما ونصف العام على الحراك غير المعترف به افضى الى تحول جزء منه الى حالة احتجاج رثة وعنيفة وبلا افق سياسي فيما احتجب الجزء الاخر عن الفعل الاحتجاجي و في النهاية تمكن القوم من اضعاف الحراك لكن الساحة امتلأت بالعنف مجددا وهو عنف منفلت لا يمكن ضبطه سياسيا بل فقط من خلال الادوات الامنية.
تتحمل المؤسسة الامنية مخرجات السياسة الداخلية وينحصر العبء عليها او يكاد والاصل ان يتحمل الساسة مسؤولياتهم وان لا يلقوها على عاتق الامن ففي العلاقات الدولية حين تفشل الدبلوماسية تندلع الحروب والمثل يمكن ان يعمم داخل حدود الدولة الوطنية فحين يفشل الساسة يضطر الامن للتحرك.