خرافة دعم المياه

تشير معظم الدراسات الدولية إلى أن تسعيرة المياه في الأردن الأكثر ارتفاعا في منطقة الشرق الاوسط.
هذه المعلومة البسيطة تحمل في ثناياها استنتاجا مهما مفاده ان اختلالاً هيكلياً يصيب ادارة ملف المياه في المملكة.

فمن غير المنطقي ان تكون تسعيرة المياه الاكثر ارتفاعا في المنطقة، بينما تتكلف الدولة سنويا 300 مليون دينار في ما يوصف بانه "دعم لقطاع المياه"، و بينما تواجه سلطة المياه ديونا بحوالي 700 مليون دينار.

البحث في الموضوع لن يستغرق طويلا حتى يصل بالباحث الى اسباب تدني عائدات الدولة من القطاع، والذي دفع الحكومة مؤخرا الى اطلاق بالون الاختبار باحتمالية رفع تعرفة المياه خلال الاشهر القادمة.
السبب الاول والاكثر تأثيرا هو وصول حجم المياه غير الخاضعة للرسوم الى حوالي 50 بالمئة من مجمل العرض المائي. وذلك ناتج اساسا إما عن سرقة المياه او تدني قدرات تحصيل الرسوم او فاقد الشبكة المائية الناتج عن ضعف البنية التحتية للقطاع.

أما السبب الثاني، فيعود الى ميكانيكية التعرفة المفروضة حاليا، والتي تساوي فيما بين الاحياء الفقيرة والغنية، فهذا الاسلوب في التسعير يخفّض من عائدات الدولة و يزيد من اعباء الطبقات المتوسطة و الفقيرة.

يزيد من الاثر السلبي لهذه الميكانيكية عدم ترابط استهلاك المياه طرديا مع المستوى المعيشي للمواطن.
فقد تستهلك الاسرة الفقيرة في المفرق او الطفيلة كمية مياه اكبر من تلك التي تقطن احياء عمان الغربية نتيجة لترابط الفقر مع ارتفاع نسب الاعالة وامتداد الاسر على مستوى اوسع. الامر الذي يزيد من غياب عدالة التسعير و يجعل من تصاعدية تعرفة المياه بحسب شريحة الاستهلاك عاملا مغذيا لاتساع الفجوة الاقتصادية بين طبقات المجتمع.

بعد الاخذ بالأسباب السابقة، يخلص الاستنتاج الى ان التكلفة الباهظة لقطاع المياه على موازنة الدولة و المقدرة بـ 20 بالمئة من العجز المالي تعود الى فشل السياسات الرسمية في ادارة هذا الملف الحيوي، و ليس الى "دعم المياه" كما تحاول الحكومة اظهار الامر عليه.

بالنتيجة، وعوضا عن التلويح بسلاح رفع التعرفة المائية القائمة، يجدر بالحكومة محاربة التهرب من دفع الرسوم المائية وتعزيز العمل على تخفيض هدر الشبكة المائية، بالاضافة الى فرض تعرفة تختلف باختلاف الحي و المنطقة و المحافظة، و بما يعزز من عائدات الدولة و يخفف من اعباء الطبقات الفقيرة.
هل يعقل ان لا تتجاوز فاتورة المياه لمنزل ايجاره 8000 دينار سنويا الـ 15 دينارا في الشهر الواحد، بينما تبلغ فاتورة المياه لأسرة فقيرة في منطقة نائية 25 دينارا شهريا؟ .