انخفض الرصيد الجاهز من العملات الاجنبية لدى البنك المركزي بنسبة كبيرة خلال الـ 12 شهرا الماضية بنسبة 29% ونحو 40% خلال السنوات الثلاث الماضية، وهذا الانخفاض يشعل لمبة حمراء ويرفع العلم الاحمر امام المسؤولين الحكوميين، وفي القطاع الخاص، حيث تراجع رصيد البلاد من العملات الاجنبية الى 7.65 مليار دولار اي يغطي مستوردات المملكة لخمسة اشهر، واذا تم استثناء 1.4 مليار دولار ديون على العراق لم يعترف بها يعني اننا نقترب من حافة الخطر وفق كافة المعايير الدولية.
هذا الانخفاض القياسي يطرح عددا من الاسئلة في مقدمتها، ماهي الاسباب التي ادت الى هذا الوضع؟ وكيف يمكن التعامل مع هذا التحدي الكبير في ظل ظروف شديدة الصعوبة اقتصاديا وماليا وسياسيا؟، لاسيما ونحن نتابع ارقاما يفترض انها متفائلة مثل ارتفاع الصادرات الوطنية، وتحسن المقبوضات السياحية، ونمو تحويلات المغتربين خلال الاشهر الخمسة الاولى من العام الحالي، وهذه الارقام يفترض ان تؤدي الى ارتفاع رصيد البلاد من العملات الاجنبية وليس العكس، وهنا فان التفسير البسيط لهذا الانخفاض السريع يرجح بدء ظاهرة الدولرة في الاقتصاد من جهة وارتحال رؤوس اموال محلية او غير اردنية الى اسواق اقليمية ودولية.
ومن الاسباب التي ساهمت في نزيف العملات الاجنبية وضعف قدرة الاقتصاد ارتفاع وتيرة التشكيك بالمستثمرين وتجريم البعض والاتهام بالفساد، وحالات الحجوز على الموجودات من اراض واسهم واموال العباد، والتهديد بتحويل عشرات مجالس الادارة لعشرات الشركات المساهمة العامة، مما الحق بسوق الاسهم على سبيل المثال خسارة ثقيلة تضاف الى خسارات كبيرة في قطاعات استثمارية اخرى منها على سبيل المثال قطاع التطوير العقاري، ووصل حد الامور الى عزوف مستثمرين يشار اليهم بالبنان عن مشاريع كبيرة.
ان المعالجة لهذا التحدي الخطير والذي يعد الاول والاهم اعادة بناء الثقة ومد الجسور مع المستثمرين المحليين وغير الاردنيين فعلا لا قولا، والعمل على استقطاب دعم خليجي لتغذية هذا الرصيد باستقطاب ودائع من الدول الخليجية، والعمل على انضاج سلسلة من المشاريع التنموية التي سيتم تمويلها من الصندوق الخليجي، وتهدئة السياسات الحكومية في الاقتراض المحلي الذي ارهق السوق المصرفية والقطاع الخاص الذي يعاني في التمول لمتابعة مشاريعة القائمة و/او الجديدة مع ارتفاع تكاليف الاموال.
الاردن كان على الدوام حاضنة للاستثمارات، وانه يتمتع باستقرار امني وسياسي واجتماعي يعد الافضل بين دول الاقليم بالرغم من تداعيات الازمة المالية العالمية والربيع العربي، وان الحاجة تستدعي منا جميعا ان نشمر عن سواعدنا ونفكر مليا بما يهددنا، وان الفرصة ما زالت سانحة لاسترداد الثقة التي تضررت بدون مبررات حقيقية، وهذه مسؤوليتنا جميعا كل في موقعه.