قانون الانتخاب لا يتناسب مع هدف تشكيل حكومة نيابية

لا يتعارض مع الديموقراطية ان تقوم الدولة ( اي دولة) بوضع النظام الانتخابي الذي يناسبها ويحقق الاهداف التي تسعى اليها من اجل تنظيم المجتمع سياسيا، بريطانيا اعرق ديموقراطية سياسية على وجه الارض تأخذ بالصوت الواحد الذي ينظم المنافسة الانتخابية بين البرامج السياسية والاقتصادية وغيرها.

 لا احد في بريطانيا يصف هذا القانون بالمتخلف او انه غير عادل والحكومة التي تشكل هناك من الأغلبية البرلمانية لا تخرج المظاهرات ضدها ولا حزب يطعن بشرعيتها.

سمعة نظام الصوت الواحد اصبحت سيئة الصيت منذ ان أخذت هذه البلاد بهذا النظام الانتخابي وبينما يسمح القانون في بريطانيا بوصول اغلبية حزبية لتشكيل الحكومة واقلية حزبية تحتل مقاعد المعارضة، فان تطبيقات هذا النظام في الأردن لا توصل الى مجلس النواب اغلبية ولا أقلية برامجية انما كتل متحركة تشكل في المجلس لغايات توزيع مقاعد اللجان، في بريطانيا هناك رباط حزبي برامجي بين النواب الفائزين في مختلف الدوائر يتبنون برنامجا واحدا ويتبعون لزعيم حزبهم الذي انتخبه الشعب ليكون رئيساً للوزراء، اما رؤساء الاحزاب الذين لم يمنحهم الشعب اغلبية فيرسلهم الى مقاعد المعارضة. في بلدنا وتحت نظام الصوت الواحد كل نائب يفوز بذراعه او بذراع عشيرته فيصل الى المجلس نواب لا تجمعهم برامج انما مواقف آنية متقلبة.

اذكر ذلك في مقدمة هذه المقالة من باب الدفاع عن قانون الصوت الواحد بتطبيقاته البريطانية وفي مواجهة مقارنات استفزازية بالدفاع عن الصوت الواحد الاردني على انه ينقل التجربة الانجليزية. هذا تجن على الحقيقة وهو امر تم اكتشافه مبكرا عندما قرر الملك الراحل المغفور له الحسين، في نهاية التسعينات من القرن الماضي، فصل النيابة عن الوزارة وطلب بان يعطى النائب نفس راتب الوزير، دوافع قرار الملك الراحل فشل تجربة الجمع بين النيابة والوزارة التي بدات بعد انتخابات عام ١٩٨٩، لقد كانت تجربة مرة وعبئا ثقيلا على البلد، كانت الكتل النيابية تشكل عشية تشكيل الحكومة ثم تفرط ويدب الخلاف بين أعضائها على ضوء المغانم الوزارية وجاء قرار الفصل حكيما في ظل غياب اغلبية نيابية حزبية تكتسب شرعيتها من صناديق الاقتراع.

قانون الانتخاب الجديد بصيغته الحالية (والمعدلة) لا يقود الى هدف الاصلاح بتشكيل حكومة من مجلس النواب المقبل لان نظام الصوت الواحد وبالتجربة بعد ١٩ عاما من العمل به لم ينجح في السابق في حمل اغلبية برامجية الى البرلمان كما يحدث في بريطانيا وهو لن يفعل ذلك في الانتخابات المقبلة، على العكس تماما، تجمع الاحزاب والقوى السياسية والباحثون الاجتماعيون بان قانون الصوت الواحد مزق النسيج الوطني حتى وصلت الاوضاع مرحلة اصبحت فيها كل بلدة وقرية لها حراكها الخاص من اجل الحصول على جزء من الكعكة الوطنية ونسمع احتجاجات مثل ( بدنا وزير او عمره ما طلع من عندنا رئيس حكومة ! ) الخ.

اما وقد استقر نظام الصوت الواحد في حياة البلاد السياسية بعد مخاض إصلاحي طويل فمن المنطقي ومن العدل أيضاً ان لا نفرط بقيمة ما استخلص من تجربة الصوت الواحد من سلبيات وان نتمسك بالعرف القائم بالفصل بين النيابة والوزارة بعد الانتخابات المقبلة، والا فان الصراع سيشتد على المقاعد الوزارية بين النواب من منطلقات عشائرية وجهوية وسيتعمق هذا الصراع اذا ما استمرت الحكومة النيابية ٤ سنوات هي عمر المجلس، لان الأغلبية التي ستشكل الحكومة لن تكون اغلبية حزبية وبرامجية انما تحالفات بنزعات فردية وعشائرية ومن اجل تحقيق مصالح الدوائر الانتخابية التي جاؤوا منها، هذا الوضع سيكون محفزا للنواب من خارج الحكومة لتشكيل معارضات من نفس الطراز باستنهاض النزعات العشائرية والمناطقية.

وأخيرا اذا كان الصوت الواحد قد خلق مشكلة في وظيفة وأداء المجالس النيابية، فانه ومع بقائه سينقل هذه المشكلة الى الحكومات المقبلة لان القائمة الوطنية التي تصاحبها زيادة في المقاعد يفوق عددها لن يغير الحقيقة بانه نسخة منقحة من القانون السابق كما ان التشبث بهذا القانون في ظل الأوضاع الراهنة لن يخرج البلاد من دوامة الربيع العربي.