عن حادثة اشهار السلاح على الهواء مباشرة

المشاجرات التلفزيونية حدثت وتحدث كثيرا حتى في احسن المحطات واشهرها ,لكنها لم تصل يوما حد اشهار الاسلحة او حتى مجرد التهديد بها او بغيرها من ادوات القتل ,ففي أسوأ الاحوال استخدم الحذاء كسلاح ابيض او الميكرفون او حافظة الاوراق او ان اطراف النقاش تبادلوا اللكمات وفي بعض الحالات استخدموا الكراسي في عراكهم ,اما الاسلحة النارية فهذه نادرة لا تحدث الا في الاردن ولذلك تناقلتها وسائل الاعلام بالكثير من الاستهجان والغرابة .


لن نتناول الجانب القانوني في هذه القضية فيما لو انتقل الجدل الى اروقة المحاكم ,فالمشهد دليل قاطع لا يمكن دحضة في محكمة ,ولكن تبرز اسئلة اخرى أكثر اهمية عندما تناقش بيئة الحوار وظروفه ,فكيف يمتشق ضيف تلفزيوني سلاحا ناريا قاتلا ويدخل لمجادلة آخر في حوار يفترض انه ديمقراطي يحترم فيه الرأي والرأي الآخر ,وكيف تسمح محطة تلفزيونية لمسلح ان يشترك في حوار سياسي ,ثم لماذا يسمح بخروج الحوار عن اطاره المتفق عليه اصلا ,اما في موضوع البيئة واجواء الحوار فتطرح اسئلة أخرى على صلة بالغرض من فتح ابواب الاختلاف على مصراعيها ,فلماذا يجري التركيز على اشخاص يعتبرون صيدا ثمينا لبعض الفضائيات المحلية لمجرد انهم يستفزون الطرف الآخر في الحوار ,وفي كل مرة يثيرون بلبلة واسعة تسيء لمبادئ الحوار ولحرية التعبير وللديمقراطية ,حتى ان هذه المجادلات تستفز المواطنين في بيوتهم .


هي الاثارة الصحفية مرة اخرى وهي اثارة مجانية لا تخدم المحطات الناشئة التي تعاني ماليا بسبب افتقارها للاعلان التجاري بالدرجة الاولى والاخيرة وليس بسبب نقص المتفرجين ,واقول المتفرجين واشدد على الكلمة لأن هناك فرقا كبيرا بين مشاهد التلفزيون و( المتفرج) على التلفزيون ,ولا يتسع المكان لشرح الفرق بين الاثنين ,اما في الحالة التي نحن بصددها فلا مشاهدين لمثل هذه العروض وانما متفرجون ,اما الشاشة في هذه الحالة فتوفر مناخا يعتقد المشارك في الجدل ان بامكانه قول اي شيء وثبت في الكثير من الحالات ان البعض يعتقد ان بامكانه فعل اي شيء بما في ذلك الاعتداء على من يختلف معه في الرأي ,وفي واقع الحال ما من رأي يسمع هنا ,فالمسألة برمتها ساحة شجار وشتائم لا تسمع فيها غير الصراخ ,وما أكثر الذين يشاركون في حوارات الهدف منها تصفية حسابات شخصية اما مع الدولة واما مع اشخاص مسؤولين فيها ,ولذلك تحرص بعض الفضائيات على استضافة الغاضبين لا السياسيين ,والحاقدين لا المعارضين ..!


حدث في الاردن وعلى الهواء مباشرة لا يمكن تجاهله ولا يمكن للخبرة الصحفية في البلد ان تمرر حدثا كهذا بدون نقاش مستفيض ,فاذا كانت البسطات في الشوارع من تداعيات الربيع الاردني وحراك الاصلاح والظروف الاقليمية والعربية - كما فسر الحالة احد كبار المسؤولين في الدولة - فما هو تفسير حمل الاسلحة الى المحطات التلفزيونية واشهارها على الهواء مباشرة ,فاذا اصبح ممكنا استفزاز الاردنيين بالشتائم على دولتهم ونظامهم السياسي وفي مرات سابقة شتم الجيش والاجهزة الامنية وكيلت التهم جزافا للناس وللمسؤولين الشرفاء على الهواء مباشرة ,واذا سمح الربيع الاردني لكل من هب ودب كي يتحدث للجمهور من وراء الميكرفونات وعلى شاشات التلفزيون ,فكيف نستغرب اذا ما وقع المحظور غدا وشهدنا أكثر من مجرد اشهار السلاح على شاشة تلفزيونية ..!!؟