هيبة الدولة أولى

يتزامن «النبش السياسي» لقبر الشهيد ياسر عرفات باستعادة «الحب» الأردني القديم مع حركة حماس وكأن الحدث واحد بمشهدين متتابعين : سلطة فقدت مبررات وجودها التاريخي ومتهمة بقتل أبيها وشاب يستعيد حضوره في عمان ليكون اقرب الى الحدث المنتظر وهو ربيع فلسطيني لا يثور على الاحتلال بل على سلطته بمعول الخطيئة الكبرى المتمثل بقتل الأب.


اذن فالانتفاضة الفلسطينية الثالثة ستكون ضد الذات قبل المحتل باعتبار أن كلفة المقاومة أعلى بكثير من كلفة الاحتلال والإسلاميون الاشطر في تنظيم فعاليات ربيع فلسطيني تأخر . 


أردنيا يجري تعميم فكرة العنف المجتمعي كبديل عن الاحتجاج السياسي فيغدو قطع الطريق على رئيس الوزراء وهو ذاهب الى مناسبة غير سياسية عمل سياسي بامتياز رغم أنه يجافي ابسط القيم الأردنية والاخلاق ويلحق أفدح الاضرار بصورة الدولة وهيبتها وبدلا من انتقاد سياسات رسمية بصورة مدنية حضارية راقية سواء ببيان أو وقفة احتجاجية يجري قطع الطرق وكأننا في عهد ما قبل الدولة.


والأنكى أنه حين يجري توقيف من اعتدى على الشارع المملوك لكل الناس تهب الاطارات المشتعلة لاخراج من كان ينبغي أن يذهب الى القضاء ليذهب الى بيته وكأننا نساعد على تنمية عملية تحويل الاحتجاج السياسي على انفلات امني.


نعود الى الصورة الكلية لنجد ان بداية الربيع الفلسطيني المشغول عليه بعناية تتزامن مع تحويل الاحتجاج السياسي الى حالة عنف مجتمعي لتغدو المياه متساوية في الأواني المستطرقة على جانبي النهر ، والضامن الشعبي واحد وهو مشعل في رام الله وإخوته في عمان، وعندها تتهيأ الأرضية للتسوية الكبرى.


الضرورة التاريخية ليست اكثر من حاصل جمع عشرات الصدف ولو قرأنا كل صدفة سياسية لوحدها لما أعطيناها اكبر من حجمها لكنها في المشهد الكلي تتموضع حيث يجب أن تكون.


الأردنيون معنيون الآن أكثر من أي وقت مضى بوطنهم وسيادة دولتهم وهيبتها ونفاذ القانون على كل من يخرج عليه حتى ولو كان بدوافع وطنية فالأولوية الان تكريس مفهوم سيادة القانون ونبذ العنف وتعرية من يقوم به حتى ولو كانت دوافعه منزلة من السماء فجهود 90 عاما من بناء دولة حديثة لا ينبغي المغامرة بها مهما كانت الظروف قاهرة والدوافع نبيلة فالأردن اولى بأن نحميه لان القادم اخطر.