أنديّة القراءة الفيسبوكية: (احتجاج صاخب على التهميش)

اخبار البلد 
تعتبر أنديّة القراءة الالكترونية الظاهرة الأبرز في الساحة الثقافية المحلية، ومن المؤكد أننا لا نقصد بالساحة الثقافية تلك المؤسسات الرسمية والملتقيات والمنتديات التي تشكلت بفعل الشللية وحالة العفن الثقافي ... فالصورة السائدة عن النشاطات الخاصة بالاحتفاء بإصدارات المبدعين أن يدعى المبدع ويجلس عن يمنه ناقد وعن شماله ناقد؛ يغدق كل منهما بالمديح على شخص الكاتب ومنتجه ...فيما يكتفي الجمهور بدور المستمع/ المتلقي، وقد يتاح للجمهور طرح بعض الأسئلة أو إبداء رأي مقتضب يفضل فيه أن يتوافق مع رأي النّقاد ...وإذا كان مدير الجلسة متعاطفا مع الكاتب فقد يقمع أي رأي مخالف ... هي صورة لا نملك الحكم عليها أنها أصبحت من صور الماضي ، ولكنها صورة أصابها شيء من العطب وأصبحت مهتزة وتنقصها المصداقية، وتحتاج لغير قليل من المراجعة. في حين هناك صورة تتقدم وتترسخ بقوة محاولة طرح البديل لما هو سائد ...صورة أندية القراءة الفيسبوكية.
في جلسات هذه الأندية يأتي الكاتب ليستمع ...لا ليتحدث؛ يجلس في حلقة مستديرة ويستقبل الآراء من الجمهور الذي قرأ كتابه وسجّل ملاحظاته عليه... ملاحظات متنوعة منها الإيجابي والسلبي ، الهجوم والمديح في الوقت نفسه يجتمعان ، قد يشنق أحدهم الكتاب ، في حين يعتبره آخر أفضل عمل قرأه ...كل ذلك على الطاولة نفسها. التعليقات تتفاوت بين آراء نقدية قوية وآراء ذوقيّة هامة وآراء عاديّة وسطحية أيضاً... لكن الهام في الموضوع أنها آراء خرجت بعد قراءة وتمحيص ...السلطة فيها للقارئ وليس للناقد الفذ الذي يعتبررأيه في النص نهائيا وقطعيا...هل يحق لنا أن نقول إن أندية القراءة أسقطت الأقنعة؟
يقول الدكتور غسان عبدالخالق_ناقد ومتابع للحراك الثقافي الشبابي_ : (من حيث المبدأ، فأنا أعتقد بأن المجموعات الثقافية الشبابية الفيسبوكية، هي الظاهرة الأكثر جدارة بالاهتمام في المشهد الثقافي الأردني، لأنها تنطوي على حراك حقيقي يفيض بالحيوية والمواكبة ويخلو من المجاملات والإخوانيات المقيتة التي حنّطت الهيئات الثقافية الرسمية وغيرالرسمية على أرض الواقع. ومع أن جانباً من أسباب بروز هذه المجموعات (الافتراضية) يمثل رد فعل مباشر أو احتجاجاً صاخباً على ما يعانيه المثقفون الشباب من تهميش وإقصاء واستبعاد مركب؛ على الصعيد الرسمي وغير الرسمي وجيل الكبار عموماً، إلا أن جانباً آخر من الأسباب يمثل استيعاء لافتاً واستثماراً جيداً لتكنولوجيا الاتصال التي تكاد تطيح بأشكال التواصل الواقعي التقليدي) ويتابع عبدالخالق حديثه: (وإذا كان مفهوم (الشللّية) قد هيمن تماماً على شكل ومضمون وأداء المشهد الثقافي الواقعي حتى حوّله إلى لوحة فسيفائية مشظاه، بل حتى صار لزاماً على كل مثقف جيد أو رديء ضرورة الالتحاق بشلة ما كي يحافظ على الحد الأدنى من مصالحه الحيوية في بورصة الكتابة، فإن مفهوم (العصبة) قد أصبح الإطار الناظم للعديد من المجموعات الشبابية الفيسبوكية التي تتشارك الهموم والطموحات وفق هذا المفهوم تبعاً للوجهة التي ارتأى أعضاء كل مجموعة أن ييمموا وجوههم شطرها، فهناك مجموعات روائية وهناك مجموعات شعرية وهناك مجموعات قراءة عامة وهناك مجموعات فنية وهناك مجموعات سياسية، ولا ريب في أن هذا الجامع التخصصي للمجموعات يعطيها أفضلية ملموسة مقارنة بشلل المثقفين الواقعية، كما أنه يضع درجة إبداع كل عضو فيها على محك التقييم الفوري المباشر).
وباستجلاء الصورة يتكشف لنا نوعان من الأندية الفيسبوكية: النوع الأول يقتصر على المناقشات على صفحات ومجموعات التواصل الاجتماعي الـ(facebook) حيث يطرح أحدهم اسم كتاب قرأه أو يريد أن يقرأه وتدور النقاشات حوله. ومن الأمثلة على هذا النوع صفحة (ما الكتاب الذي بين يديك؟) حيث يطرح القارئ في الصفحة اسم الكتاب الذي يقرأ فيه، وينتظر آراء وأسئلة المهتمين ويدور النقاش بينهم. يقول حسن الحلبي (مدير الصفحة): (تقدم لي الصفحة التفاعلَ مع القرّاء الآخرين مثلي، وهو شيء آخر مما يقدمه فيسبوك لهذا العالم .. في الحياة الواقعية لا يتاح للمرء أن يلتقي بأصدقائه كما يريد ويرغب، خصوصاً إذا كان يسكن في مكان بعيد ، أو إذا كان متزوجا... يحتاج القارئ ليعرف ردود فعل الآخرين تجاه الكتب الجديدة ، أو الكتب التي قرأها هو، أو الكتب التي لم يقرأها بعد .. هكذا سيكوّن صورة شمولية من كلام القرّاء ، بعيداً عن كلام النقاد ، تجنّيهم أحياناً أخرى )_ويتابع الحلبي_(آمل أن تصل هذا الفكرة إلى كلّ قارئ ، ليشاركنا برأيه في الكتب ، ولنتعرف عليه وعلى فكره ، ونمط قراءاته ، هكذا سنكتشف أنواعاً جديدة لم نكن نعرفها في الأدب أو العلم ، وهذا ما سيكتشفه آخرون أيضاً.ومن أهداف الصفحة أيضاً الابتعاد عن الآراء النقدية الباردة في الكتب أو الروايات.. نريد ردة فعل القارئ العادي ، البسيط ، وحتى الناقد أيضاً ولكن ضمن حدود فهم وقدرات واستيعاب القراء ، وبعيداً عن تلك الكلمات الفخمة الأكاديمية التي لا يفهم أحد منها شيئاً (.
ومن فكرة صفحة " ما الكتاب الذي بين يديك؟" نشأت فكرة إنشاء مجموعة فيسبوكية تحت اسم (قرأتُ كتابا ...فوجدت)، يقول الشاعر يزن الدّبك : (إن الله تعالى بدأ كتابه بفعل الأمر"إقرأ". وهذه المجموعة من أجل أن تقرأ كتابا وتخبرنا ماذا وجدت؟. يقول محمود درويش"أكتب تكن واقرأ تجد" فالفكرة تكمن في عنوانها....تلاقح الأفكار والحث على توجيه سهام المعرفة والنقد بطريقة تشمل وتعم بناءً على أنَّ النّقد ليس حكرا فقط على الدارسين له. فهذا النادي التفاعلي الالكتروني هو نواة تأسيسية تكتمل بالمتابعة؛ فأعضاؤه ناهزوا ثلاثمئة مشترك في أقل من أسبوع.سَيفرز منهم صفوة ما بين متخصص في النقد وكاتب مغمور وكاتب محترف وقارئ نهم وقارئ عادي كلهم سيستفيد ويفيد. كلهم سيفرزون للواقع صفوة تنير درب الساحة النقدية المنغلق على أسماء و(تابوهات) معينة تحسب الأدب وراثة لا إرثا.)، ويأتي الإشراف على تنظيم هذه الصفحات_حسب رأي الدّبك_ كخطوة أولى لانتزاع النوادي القرائية الالكترونية إلى الواقع ورفد الساحة الأدبية الأردنية بالقارئ المفيد والناقد البناء دون احتكار للساحة من قبل عدة أسماء.
أمّا النوع الثاني من أندية القراءة فهو يبدأ بالنقاش الفيسبوكي وينتهي باللقاء على أرض الواقع؛ إذ تطرح عدة كتب للتصويت عليها، والكتاب الذي يحظى بأعلى نسبة تصويت يتم طرحه للنقاش مع اعطاء فترة مناسبة لقراءة الكتاب... ويتجلى النقاش هنا بشكليه الالكتروني والواقعي ؛ الالكتروني يتمثل بالنقاشات والمحاورات التي تتم على صفحة مجموعة القراءة خلال فترة القراءة (قبل المناقشة وبعدها) ، والواقعي بضرب موعد محدد يجتمع فيه أعضاء المجموعة على أرض الواقع ويناقشون الكتاب مقدمين ملاحظات ووجهات نظر قد تكون مختلفة أحيانا أو متقاربة في أحيان أخرى ...واللافت للنظر في هذه الاجتماعات أنه لا أحد يمارس سلطة على النص ويفرض رأيا شموليا ...فسلطة الحكم على النص وتقييمه متاحة لجميع من قرأ الكتاب. ومن بين هذه الأندية هناك أندية لافتة للنظر بنشاطها وقدرتها على التنظيم وإثراء الحوار كنادي (كتابي كتابك) و(شرفات) و(انكتاب).
ويتميّز الأخير(انكتاب) عن غيره بأنه بعد كل مناقشة يقوم أعضاؤه بتقديم مراجعة جماعية للكتاب مما يقدم قراءة نقدية مختلفة لم تعتد عليها الساحة الثقافية، ولا نعلم كيف ستتقبلها؟. تقول شادن أبوالهيجا_ أحد أعضاء انكتاب_ : (القراءة في انكتاب لها بعد آخر أعمق من مجرد القراءة ووضع الكتاب بعيدا عند الانتهاء، حيث أن القيمة الحقيقية هي بالنقاش والتشارك في طرح الأفكار وتحليل المحتوى، ومن ثم التعاون على كتابة مراجعات جماعية ومقالات تنشر على الموقع وعبر وسائل الإعلام الاجتماعي. ولم تكن النية أبداً أن ننافس أحدا، أو أن نقدم بديلاً حتى. الهدف هو إحياء ثقافة القراءة ونشرها، وتشجيع الشباب على القراءة والتحليل والنقد. وعلى الصعيد الشخصي، أصبحت الآن أقرأ كتابين كل شهر وتنوعت قراءاتي وتعددت بتنوع الكتب المقترحة واختلاف الأذواق والخلفيات للمقترحين والمصوتين. وأعتقد أن أندية القراءة توفر خياراً آخر غير تقليدي، وميزتها أنها تقدم وجهات نظر مختلفة ليست أحادية، ولا هي حكر على الناقد المحترف الخبير! فباستطاعة الجميع التعبير عن رأيهم ونقد الكتب التي يقرأونها بعد التعرف طبعا على أدوات النقد ).
ويرى وصفي القدومي _ نادي كتابي كتابك_ أن العديد من الناس يحبون القراءة ويؤمنون بأهميتها، لكنهم لا يجدون الوقت لذلك أو لا يعرفون من أين تكون نقطة البداية، وآخرون بحاجة لمن يشجعهم على القراءة."هنا تأتي أهمية مجموعات أو أندية القراءة"_كما يقول وصفي_ وذلك بخلق مجتمع مصغر أو صناعة جو مرتبط بالكتاب والقراءة يساعد على التحفيز للقراءة من جهة، وتبادل الأفكار والنقاش حول الكتب وبالتالي زيادة المعرفة ووجهات النظر من جهة أخرى. وأيضاً تمثل مجموعات القراءة عامل جذب للبعض وطريقة لاستقطاب آخرين ودعوتهم لقراءة الكتب. ويتابع كلامه:(كانت الفائدة لي من أندية القراءة بزيادة رصيدي من الكتب المقروءة، وحجم القراءة، والتعرف بأشخاص يشاركونني نفس الاهتمام. ونحن لا ننظر لأندية القراءة من منظور نقدي، وإن كانت تملك القدرة على ذلك، إنما هي مساحة لتبادل الأفكار وتشارك الانطباعات، وليس للحكم على الكاتب و الكتاب. والمطلوب منها أن توفر شكلاً يقبل جميعَ الأطياف ويهتم بالقارئ العادي أكثر من التخصصي.أما تلك الأندية المتخصصة بنوع معين من الكتب أو فئة معينة من الحضور يمكن أن يكون لها دور نقدي يغذي الكاتب ويعطي مادة للمهتمين بالمعرفة حول الكتاب.المطلوب أيضاً من أندية القراءة تعميمها كظاهرة ثم ترتقي لتصبح_ فعلا ومماسة_ طبيعة في المجتمع مما يرفع من نسبة المقروئية ويعكس مظهراً صحيا في مجتمعنا من حيث الرقي والوعي).
وتقول صفاء بدارنة _من ملتقى شرفات الثقافي_ إن هذه الأندية جاءت لتعزيز فكرة القراءة الجماعية ( فنحن أولاً نقرأ بعين الناقد لا بعين المتذوق فحسب ، لذا تأخذ القراءة منحى احترافياً من أجل تطوير التلقي المعرفي لدى القارئ. وفي حال تمّ تعزيز مثل هذه النوادي فقد تتوافر أرضية خصبة للإطلاع على التجارب الإبداعية الأردنية ، ونقدها بالتالي من أجل دعم الجيد وإبرازه ، والتأشير على الردئ وردعه)، وتقول صفاء إن هدفهم الخروج عن نطاق الأسلوب الأكاديمي الكلاسيكي في النقد، ومحاولة خلق مدارس جديدة في النقد. وهذا لايتعارض مع الإطار الأكاديمي إنما يأتي موازياً له، وداعما لهذا الإطار. (إننا إذ ننقد لا نلغي النقد الكلاسيكي أو الأكاديمي إنما نحاول كما أسلفت سابقا الخروج عن هذا النطاق) .و ترى شيرين عثمان _وهي عضو في النادي نفسه_ أن نادي القراءة هو عمل جماعي مهم جداً بالنسبة للمجتمع ككل وللفرد بشكل خاص ، ذلك أنه من أدوات التشبيك البيني بين الأفراد الذي يهدف إلى نشر ثقافة القراءة والكتابة والنقد بين أفراد المجموعة، كذلك لإكسابهم مهارات النقاش وتنمية مداركهم الذهنية. وتؤكد أنّ الرأي الأكادمي له أهميته؛ ( الناقد الأدبي الذي يحمل خبرة طويلة له رأي ذو أهمية كبيرة، و لكن هناك أيضا أهمية للمستمع البسيط الذي يمحص النص من خلال تجربته البسيطة في الحياة. ذلك أن القراءة لا تقتصر على فئة معينة من المجتمع بل هي لكل أفراده. لذا فالكاتب أو الشاعر أوالفنان من واجبه أن يهتم برأي الجميع سواء كان على مستوى أكاديمي أو على المستوى البسيط).
وفي الختام، ننوه إلى ملاحظتنا اختلاف آراء منتسبي هذ الأندية وأهدافهم، ويشير هذا إلى التنوع الذي تحظى به والذي ترفده . ويبقى سؤال يطرح نفسه حول غياب وزارة الثقافة وبقية المؤسسات المسؤولة عن إصدار الكتب الإبداعية والفكرية عن التواصل مع أندية القراءة الشبابية في طرح إصداراتها بين أيدي هؤلاء القرّاء لمعرفة ردة فعل القارئ تجاه المنتج الإبداعي الذي تصدره. إن هذا السؤال يطرح عدة افتراضات للإجابة ؛ فهل تخشى المؤسسة الثقافية الرسمية في حال وضع إصداراتها بين أيدي هذه المجموعات من افتضاح أمر ما قد يتعلق بجودة المنتج ؟!. أتكون وزارة الثقافة أو الدائرة الثقافية في أمانة عمان مثلا لا تريد لفت الانتباه إلى تكرار أسماء المؤلفين في إصداراتها، أو إلى أن الكثير من الإصدارات هي من إنتاج موظفي المؤسسة أو أصدقائهم . أسئلة كثيرة يطرحها غياب المؤسسة الثقافية الرسمية لعل الوقت حان لتقدم لنا الإجابة عليها .