الخدمات الحكومية بين العاصمة والمحافظات

استعرض مجلس الوزراء قبل أيام تقريراً من وزارة تطوير القطاع العام حول مدى التزام الدوائر الحكومية بالمتطلبات الواردة في نظام تحسين الخدمات الحكومية، ومع أنه لم تصدر أية تفاصيل في هذا الشأن تحدد مدى ما يمكن أن يكون قد تحقق من تطور للخدمة الحكومية بعد تطبيقه، إلا أن الانطباع العام أن أي تقدم إنما هو محدود تماماً في حين بقيت الكثير من الإجراءات الروتينية والمعقدة أحياناً هي المسيطرة على واقع الوزارات والدوائر الرسمية سيفاً مسلطاً على رقاب المراجعين منذ زمن بعيد ! .

صحيح أن بعض الجهات الحكومية قد حققت قفزات في تبسيط المعاملات التي يتم انجازها من خلالها إلا أنها بقيت في دائرة الاستثناء قياساً على غيرها، مما يستوجب تعميم الحالات التي يمكن إعتبارها مثالاً يحتذى لا أن تبقى مجرد جزر معزولة في بحث من الإشكالات والمشكلات التي يعاني منها المراجعون الذين ابتلاهم الحظ بضرورة إجراء المقتضى الرسمي على معاملاتهم ويتعرضون إلى شتى صنوف المماطلة وإطالة المدى والوقت أمام معاملات قد تكون بسيطة ولا تحتمل كل هذا التعقيد ! .

ربما يكون القاطنون في العاصمة رغم كل ذلك هم الأسعد حظاً قياساً على غيرهم من المواطنين المقيمين في المحافظات الأخرى، لأن قربهم من مراكز الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية يجنبهم على الأقل التردد بين أماكن سكناهم إلى عمان ومنها، من اجل انجاز معاملات قد لا تستدعي كل هذه المشقة والتكاليف الباهظة ذهاباً وإياباً، هذا غير الارهاق وحرق الاعصاب الذي يصيبهم من تدني مستوى الخدمة الحكومية في الإدارات المحلية ومدى المركزية الشديدة في الاجراءات التي لا مفر منها لمن لا بد لهم من دفع ضريبة تشبثهم في المدن والقرى التي نشأوا فيها وعدم الهجرة منها إلى عمان ! .

لذلك يستحق الاهتمام ما أعلنت عنه وزارة تطوير القطاع العام من أنها ستركز خلال المرحلة المقبلة على تحسين الخدمات في المحافظات والألوية لتكون بالمستوى نفسه الذي يتم تقديمه في العاصمة، وهذا يعني إذا ما تم الالتزام به على أرض الواقع تحقيق نقلة نوعية في إعطاء ما هو خارج العاصمة من أماكن قريبة ونائية الحق في تلقي المواطنين المقيمين هناك خدمة رسمية تساوي بين الجميع ولا تفرق بين مواطن وآخر، مما يثير موجة من الاحتجاجات لم تهدأ من قبل من يرون أنفسهم يعانون الأمرين من حالة تهميش مزمنة ! .

ليس المهم وضع الخطط وإعلان النوايا فيما يتعلق بإنصاف المحافظات والعمل على تطوير الخدمات الحكومية المقدمة فيها وفقاً لنظام التحسين الذي يفترض أنه يسري على الجميع من مواطني العاصمة و المدن الآخرى كافة في مختلف المناطق، بل وضع مثل هذه الأهداف الوطنية موضع التطبيق العملي الذي يجعل المواطنين في المحافظات يلمسون مثل هذا التغيير ويعترفون بأنه أصبح حقيقة واقعة لا خيالاً عاشوا أوهامه سنين طوال وما زالوا ينتظرون .