رسائل الغرايبة للإسلاميين وللدولة أيضاً

 
اخبار البلد_ كتب ماهر ابو طير _ لم يسكت القيادي الاسلامي د. ارحيل الغرايبة، فقد باح بالكلام الممنوع حول ما يجري داخل جماعة الاخوان المسلمين، علناً، عبر مقالين نشرهما، وهما لافتان للانتباه، لان هذه أول مرة يخرج فيها «النقد الحاد» الى السطح السياسي.

مقاله الاول حول الصقور والحمائم،والثاني حول من ضاق صدرهم بمقاله الاول،ويرفع الغرايبة من سقف انتقاداته،ويحولها من سرية الى علنية،خصوصاً،بعد جملة التطورات الاخيرة من اتصالات الاسلاميين بمسؤولين رسميين،وبعد زيارة وفد حماس للاردن.

يقول الغرايبة .. «صدقوا أنفسهم أنهم صقور،ومضوا بالتمثيلية الى آخرها؛من أجل كسب الشعبية والتلاعب بعواطف الشباب» وهذا تكثيف للنقد الحاد في وجه تيار الصقور باعتبارهم يمثلون دورا لا اكثر ولا اقل.

في ذات مقالته يقول ان الاسلاميين لاينقسمون على اساس صقور وحمائم،بل على اساس اتجاهين،الاول يريد جعل الجماعة مسخرة للقضية الفلسطينية،باعتبارها الاولوية وهذا تيار مرتبط بحماس،والثاني يريد ان تكون الاولوية الاردنية هي الغالبة قبل اي شيء آخر.

هذا معناه ان وصف الصقور مرتبط بجماعة حماس في الاخوان المسلمين،وان وصف الحمائم مرتبط بجماعة «اللاحماس» في ذات التنظيم والمؤكد ان تصريحات خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة صبت باتجاه «فك تشفير» الخلافات الحالية حين قال ان الادوار انقلبت،وان الصقور مع المشاركة في الانتخابات،والحمائم ضد المشاركة.

ما يتم فهمه ان تيار الصقور يريد المشاركة لاعتبارات تتعلق بدور الاخوان المسلمين في كل المنطقة،بما في ذلك فلسطين،وترابطات حماس،ويريد ذات التيار التوصل الى تفاهمات يقطف فيها ثمار الاقليم داخلياً.

في المقابل وكما فهمنا من التراشقات فإن تيار الحمائم لايريد المشاركة لاعتباراته الاردنية البحتة،ولربما احتجاجاً على غزل الدولة نحو تيار الصقور،وترك تيار الحمائم خارج اللعبة معزولا،وحيداً،دافعاً ثمن حمائميته واعتداله تجاه الدولة وهنا مربط الفرس!.

في كتاب الزميل ناهض حتر «يساري على جبهتين» المطبوع قبل سنوات،وفي الصفحة الخامسة والثمانين منه،وعلى مدى خمس عشرة صفحة،يحلل حتر ذات قصة الانقسام،مبكراً،وهو يقرأ بعمق مايعتبره انقساماً سرياً،سيتم تظهيره علناً في نهاية المطاف.

تستحق الصفحات الخمس عشرة اعادة قراءة،لان فيها استبصاراً مبكراً،نحو هذا الملف وتعقيداته الداخلية والعربية،على غير مستوى،وهو استبصار لم يتأسس على موقف مسبق،بقدر كونه تحليلا موضوعياً.

انقسام الاسلاميين ليس مصلحة لاحد،غير ان ما تقرأه في مقالي الغرايبة يقول لك ان هناك منافسة حادة داخل الحركة بين رموزها،حول القيادة،وحول الترشح للانتخابات النيابية،وحول من يجري الاتصالات بالدولة،ومن لايجريها.

ماتفهمه من المقالين،ومن جملة الاجواء،ان هناك احساسا لدى بعض القياديين،ان هذا أوان تقسيم المنفعة السياسية،على مستويات مختلفة،وهذا يفسر حجم المكاسرة التي تفجرت علنا عبر مقالي الغرايبة،وردود الفعل عليهما.

حافظت الجماعة على قوتها تقليديا،الا انه على مايبدو ان جدولة الصراع والاولويات،انتهت،وتعبيرات الغرايبة لاتمثله فردياً،بقدر ماتمثل تياراً موجوداً،داخل الجماعة،وهذا الامر الواجب التوقف عنده،لا حصر القصة بغضب شخصي للغرايبة!.

المؤسف ان خصوم الاسلاميين سيتعاملون مع القصة استغلالا لتصريحات الغرايبة،وتشفياً بخروج الصراع الى العلن،وهذا سيزيد من تعقيدات المشهد،وسيؤدي الى مضاعفات اكبر،لاتنتهي بفصل الغرايبة من الجماعة او محاكمته،او حتى استقالته وخروجه.

القضية ليست فردية،بقدر تعبير الغرايبة عن تيار سياسي في الجماعة،وهذا التيار اشهر خصومته،علناً،في وجه التيار الاخر،وفي وجه المؤسسة الرسمية لمنعها من الاقتراب من تيار «الصقور-حماس» وعقد صفقة معه تؤدي الى خروج تيار «الحمائم-الاردن» باعتباره فرق حسابات بين الجميع!.

من جهة اخرى فإن رسالة الغرايبة،ان لم تتجاوب معها الدولة في مغزاها السري،فستؤدي الى رسائل اكثر من غيره،تفسد قدرة تيار الصقور على احتكار وكالة الاسلاميين في علاقتهم مع الدولة،حتى لو كانت القيادة بأيديهم،وبحيث يتم افشال هذه العلاقة لان فيها تخلياً عن الحمائم في وجه رموز الصوت المرتفع،ممن يعتبرهم تيار الحمائم،صبروا ونالوا كل شيء.

رسائل الغرايبة وتياره ليست موجهة لقيادة الجماعة الحالية،وحسب،بل الى الدولة ايضا،لمنعها من دفع الفاتورة للتيارالذي جاهد الحمائميون لكبحه كرمى لعيون الدولة ايضا.