طاهر العدوان يكتب عن التعذيب : الإدانة الرسمية أهم من التحقيق
اخبار البلد_ نقف الى جانب رواية المركز الوطني لحقوق الانسان عن اثار التعذيب والضرب الظاهرة على جسد الحدث ليث القلالوة من السلط عندما زاره ممثل المركز في مستشفى الامير حمزة ، ونستهجن ما يروى على لسان الناس من تعذيب واهانات تعرض لها ايهاب النسور اثناء الاعتقال . أشياء لا نريد ان نصدق انها تحدث في ربيع يجمع فيه البشر بان الكرامة الانسانية أغلى من الحياة ذاتها بعد ان قادت الأنظمة الأمنية شعوبها الى الخروج الى الشوارع من شدة ما تعرضت له من ظلم وقهر وفساد .
التحقيق المستقل لا يكفي ، مثل هذه الاحداث تتطلب الإدانة الرسمية الواضحة ولا يحتاج الامر الى ( مصباح ديوجين ) هناك اثار ضرب شديد الوضوح على ليث ومن فعل ذلك يستحق الملاحقة والإدانة ، هذا العمل انتهاك للدستور ، خاصة التعديلات التي لم يجف حبرها بعد فلقد جاء في المادة (٨) ان « كل من يقبض عليه او يوقف او يحبس او تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ كرامة الانسان ولا يجوز تعذيبه او إيذاؤه بدنيا او معنويا «.
اعرف ان التعذيب وإهانة المواطن ليست سياسة رسمية في الأجهزة الأمنية وبان هناك ٍتجاوزات يمكن تبريرها من قبل رجال الأمن والدرك الذين يعيشون حالة استنفار دائم منذ عام ونصف ، فأفراد الأمن ليسوا خوذاً وهروات ، انما بشر منهم من يتحمل الاستفزاز ومنهم لا يستطيع ، ومثل هذا الاستفزاز منتشر هذه الايام ، نشاهده في الشوارع والأسواق ، كثيرون لم يعودوا يخشون مخالفة القانون ولا يكترثون لوجود رجل الأمن او السير . هم لا يستفزون بتصرفاتهم رجال الأمن فقط ، انما الجميع.
يمكن فهم اعتقال مواطن يخالف القانون لكن وفق الاصول والانظمة ، القائمة على حفظ كرامته ، اما اذا وصل غضب رجال الأمن الى حد التعذيب وإهانة كرامة المواطن ، سواء على خلفية سياسية او غير سياسية ، فذلك امر لا يمكن تبريره ويستحق إدانة رسمية وإجراءات حازمة لعدم تكراره ، فإذا كانت الحكومة تريد من المواطنين احترام الدستور والقانون الذي هو مضمون هيبة الدولة ، فان ذلك يستدعي الإدانة و الاعتذار عندما يعذب مواطن وتنتهك كرامته اثناء اعتقاله .
قصة الشرطية التي صفعت بوعزيزي في تونس مثال على كيف تحولت ردود الفعل على استفزاز كرامة مواطن واحد الى زلزال سياسي ضرب المنطقة كلها ، وهو خطا امني تكرر في مصر وسوريا ليحمل العواقب ذاتها ، ولا اقول ذلك من باب التحذير لاحد ، وكما ذكرت في البداية ، التعذيب وإهانة المواطن ليست سياسة امنيه ، وضبط النفس والتعامل الأمني مع آلاف المسيرات والاحتجاجات كان حضاريا بنسبة عالية جداً ، لكن ما يستدعي القول ، امام ما تعرض له ليث القلالوة والنسور وبضع حالات اخرى سابقة، هو ضرورة ملاحقة أخطاء رجال الأمن إجرائيا وقانونيا بصراحة وشفافية يراها ويسمعهما الرأي العام من خلال الاعلام ، هذا مطلوب في هذه الظروف الاستثنائية وفي ظل مناخ جماهيري عالي التوتر في الأردن والمنطقة ، توتر لا تقتصر آثاره على المواطن البسيط انما نشاهده على الشاشة وتحت قبة البرلمان.
لا يقلل من احترام اجهزة الأمن ولا من هيبة الدولة ان يسمع الرأي العام شرحا ويرى وقائع حول الاحداث الأمنية كحادثة القلالوة ، خاصة وان الشاب ظهر في وسائل الاعلام عارضا على الناس اثار ما يقول انه تعذيب تعرض له ، راويا تفاصيله ، فيما اقتصرت الرواية الأمنية والرسمية على تكرار النموذج المعد دائماً من التصريحات عن ( تحقيق ) يستقبله الجمهور بعدم الثقة.
لقد قام الفريق حسين المجالي بعقد مؤتمرات صحفية في مواجهة احداث كبيرة وقعت خلال العام الماضي ، استقبلها الرأي العام بالقبول او الجدال حولها ،كما فعل ذلك الخميس الماضي ، لكن لماذا لا يتم الامر بصورة مؤسسية وفور وقوع اي حادث وذلك بدل توجيه اللوم للإعلام عندما ينشر شهادات المواطنين ورواياتهم .
لا شيء يخيف اذا كان الخطأ او التجاوز الأمني تصرفاً محدوداً خارج على الاوامر والسياسات ، بل انها فرصة للأمن لكي يعرض على الرأي العام التجاوزات والاستفزازات ضد أفراده وضد القانون والنظام العام التي تقوم بها قلة من المواطنين تتصرف وكانه لا وجود للدولة ، بعض هؤلاء لا يشارك في المسيرات ولا يهتم لشعاراتها ، لكنه يستغل الجو العام لممارسة اعمال مخلة بالأمن وضد الناس في الشوارع والأسواق ، ممارسات لم يعتد الاردنيون على مشاهدتها .